الحدود الآمنة للديمقراطية تساؤلات ترد على أذهان البعض: هل يمكن أن تتحول الديمقراطية إلى مصدر قلق، أو تهديد؟ ومن الذي يحدد فيما إذا كانت الديمقراطية بخير أم غير ذلك؟ ومن المسئول عن تقويم مسارها: الحزب الذي يحكم أم الأحزاب المعارضة ؟! بداية ينبغي الوثوق بأن الديمقراطية ليست أيديولوجية سياسية، تفرض نظرياتها الفكرية على كل من ينتمي إليها. كما إنها ليست خيارات ثابتة يمكن قياس تجارب الشعوب إليها، بقدر ما هي ممارسات آمنة تهدف إلى تنظيم سلوكيات الشعب بما يحفظ لها إنسانيتها، وفرص الحياة الكريمة.. وبالتالي فإن الدول الديمقراطية قد تلتقي في كثير من المسائل المرتبطة بالديمقراطية وتختلف في أخرى دونما اعتبار، ذلك الاختلاف خرقاً ديمقراطياً، لأن هناك هامشاً ثقافياً يميز الجميع بخصوصياته الوطنية.. فمثلاً ( زواج الشواذ ) الذي تعده بلدان عديدة ضمن الحريات لا يمكن أن يكون كذلك في بلداننا الإسلامية التي تعتبره " جريمة". الديمقراطية كمفهوم ثقافي فلسفي لا يمكن أن تكون مصدر قلق أو تهديد لأحد، كونها تدعو إلى الحريات، والعدالة، وتكافؤ الفرص، والشراكة المجتمعية في بناء حياة الشعوب، ولو مورست الديمقراطية طبقاً لمدلولاتها وأغراضها الحقيقية فإنها ستمثل أفضل الخيارات السلمية الآمنة للمجتمع.. لكن ما يجعل البعض يتساءل عن القلق منها أو يتخوف من تحولها إلى تهديد هو السلوكيات الخاطئة المنسوبة للديمقراطية، أو تلك التي يمارسها البعض باسم الديمقراطية في الوقت الذي هي لا تمت لها بأية صلة..! فالديمقراطية لا تؤمن بالعنف، ولا بالتحريض على الشغب، ولا بالدعوة إلى تفتيت المجتمع، أو تجزئة الدولة لأنها أصلاً خيار شراكة، ومشابكة مصالح وأهداف المجتمع.. كما أن الديمقراطية لا تؤمن بالانقلابات، والثورات من أجل التغيير في مجتمع يمارس الديمقراطية، بل على العكس، هي تدعو إلى عمل مؤسسي، جماعي، منظم يعزز قدراته، ويتبوأ استحقاقاته بفضل إعداده الجيد لنفسه، ولتكويناته السياسية والاجتماعية، والثقافية التي من شأنها التحول إلى ورقة رابحة في التغيير خلال أي ممارسة انتخابية يشهدها البلد. إن تلك الممارسات الخاطئة – غير الديمقراطية – هي التي يمكن أن تهدد الديمقراطية، لأنها قائمة على ممارسات زائفة تدعي أنها ديمقراطية.. فعندما تتعصب بعض الأحزاب لرأيها، وتعتبره هو الصواب الملزم للسلطة بأن تعمل به فإنها حينئذ تلغي مبدأ الحوار الذي هو محور ارتكاز أي عمل ديمقراطي.. وعندما تراهن على تثوير الشارع، وتحرض المواطنين على الخروج إلى الشوارع للإطاحة بالسلطة فإنها تلغي كل الخيارات السلمية التي تمثل روح العملية الديمقراطية، وتلغي كل الاستحقاقات الانتخابية التي تمارسها الجماهير بقصد انتخاب ممثليهم في المجالس المحلية أو النواب، أو حتى انتخاب رئيس الجمهورية. وعندما ترفض بعض الأحزاب تطبيق القوانين النافذة على أحد أو بعض عناصرها إذا ما أدينوا بجرم أو فساد فإنها تلغي بذلك مبدأ العدالة، وسيادة القانون الذي هو صمام أمان أي عملية ديمقراطية.. وعندما تتبنى بعض القوى التعبئة وحشد الرأي للدفاع عن الذين يتمردون على سلطة الدولة، ويقتلون أفراد الأمن،ويخربون المؤسسات الخدمية، أو تدعو لتتويج من أعلى الانفصال ( كبطل ) فإنها – بلا شك – لا تمارس الديمقراطية بل تسعى إلى القضاء عليها، لأن الديمقراطية لا تؤمن بالعنف إطلاقاً، وهي أداة لإحلال السلام، والأمن في المجتمع. ومن هنا تتحدد إجابة السؤال الثاني بشأن من يحدد فيما إذا كانت الديمقراطية بخير أو غير ذلك.. فالممارسة هي التي تحدد اتجاهات المسار الديمقراطي، ومخرجات هذه الممارسة هي التي تحكم مقدار الثقافة الديمقراطية التي يتمتع بها هذا الفرد أو ذاك، وهذه القوة أو تلك. وحين يمارس أي حزب ما يعتقده ديمقراطية، دون أن ينعكس فعله إيجابياً على الحركة التنموية، أو مستوى الأمن والسلام والاستقرار التي يتمتع بها الفرد والبلد بشكل عام – فعليه أن يدرك أنه لم يكن يمارس الديمقراطية .. أما حين يقود النشاط الذي يقوم به إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتعطيل المصالح التنموية للبلد فعليه حينئذ أن يكون واثقاً بأنه عبء على الديمقراطية، وعقبة في مسارها. وفي كل الأحوال فإن الديمقراطية الكاملة (المثالية) لا وجود لها إطلاقاً حتى لدى من نصفها بأنها " دول الديمقراطيات الراسخة" فغالباً ما ترتكب بعض الأخطاء، وتستجد بعض المطالب المواكبة للتطورات والمتغيرات المختلفة، وهنا لن تناط المسئولية بحزب بعينه لتصحيح أو تقويم المسار الديمقراطي. بل هي مسئولية جماعية مشتركة تناط بمن كان في السلطة والمعارضة على حد سواء – حيث إن المفهوم الحقيقي هو الشراكة المجتمعية من أجل هدف واحد هو الوصول إلى الخيار الأفضل لبناء الإنسان والدولة معاً. |