![]() |
في ذكرى 28 يوليو.. شراكة المؤتمر وأنصار الله خيار وطن لاصفقة سلطة في مثل هذا اليوم الـ28 من يوليو 2016م أعلنت القوى الوطنية في العاصمة صنعاء شراكة سياسية تاريخية بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه من جهة وحركة أنصار الله وشركائهم من جهة أخرى. لم تكن تلك الشراكة ترفًا سياسيًا ولاصفقة تقسيم كعكة سلطة كما يفعل مرتزقة الفنادق، بل كانت ضرورة وجودية لصد عدوان وحشي وغاشم أراد اقتلاع اليمن من جذوره وتفتيته إلى كانتونات طائفية وجهوية متناحرة. اليوم، ونحن نحيي الذكرى التاسعة لتلك الشراكة يصبح من واجبنا أن نعيد تقييم التجربة بصدق وتجرد لا لنمارس التمجيد الأجوف أو جلد الذات.. بل لنقول الحقيقة كما هي بأننا نجحنا حيث اجتمعنا على الوطن وفشلنا حيث تفرقنا على المصالح. فعندما اجتاحت مقاتلات العدوان سماء اليمن وأرضه وجهت نيرانها نحو كل ما له علاقة بالهوية والسيادة، كان لزامًا على القوى الوطنية أن تعيد ترتيب صفوفها.. وفي مقدمتها المؤتمر الشعبي العام الذي رغم ما تعرض له من إقصاء وتشويه حافظ على ثوابته الوطنية، ومدّ يده لأنصار الله من منطلق الحرص على الجمهورية والوحدة والدولة. في 28 يوليو 2016، وُلد المجلس السياسي الأعلى كثمرة لتلك الشراكة، فملأ الفراغ الذي تركه العميل الهارب هادي ومن خلفه الاحتلال وأعاد الاعتبار للدولة ولو في حدّها الأدنى، وأثبت أن اليمن ليس قاصرًا عن إنتاج قيادته ولا عاجزًا عن الدفاع عن قراره. لا يمكن إنكار أن الشراكة بين المؤتمر وأنصار الله حققت الكثير رغم كل ما اعترضها، فقد أوقفت الانهيار المؤسسي وأعادت تنظيم مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء.. وحمت الجبهة الداخلية من السقوط في فخ الصراعات البينية التي كان العدوان يراهن عليها..ومنحت القرار السياسي في صنعاء شرعية نضالية في مواجهة مشاريع الوصاية والارتهان والتبعية.. ولولا تلك الشراكة لكانت قوى العدوان قد وجدت بيئة رخوة تنفذ من خلالها إلى العمق الاجتماعي والسياسي وتستنسخ سيناريوهات الفوضى والتمزق كما فعلت في عدن وتعز وسقطرى وحضرموت وغيرها. لكننا لا نقدس التجارب ولا نغطي الشمس بغربال.. فالشراكة تعرّضت لاهتزازات عنيفة، بسبب أحداث ديسمبر التي ليس هنا مجال للخوض فيها وهو ما انعكس سلباً على المؤتمر الشعبي العام الذي واجه امتحانًا قاسيًا لكنه نهض مجددًا بقيادة الشيخ المناضل صادق بن أمين أبو راس الذي ورث تركة مثقلة بالتشكيك والمكائد لكنه اختار أن يبقى على خط المواجهة لا في الضباب.. بل في قلب المعركة.. فقد تمسك بالميثاق الوطني ودعا إلى حوار يمني ـ يمني، وواصل تثبيت المؤتمر كلاعب أساسي في المشهد الوطني وليس تابعًا لأجندة الخارج. وهو بذلك يؤكد أن الشراكة مع أنصار الله ليست إذعانًا ولا تبعية، بل التقاء في منتصف الطريق حيث تكون مصلحة اليمن فوق الجميع. وكذلك أنصار الله، من جانبهم قدّموا تضحيات جسيمة في مواجهة العدوان ..وهم بعد هذه السنوات من الشراكة بالتأكيد أنهم يدركون أن إدارة الدولة ليست كإدارة المعركة.. وأن الحكمة تقتضي الشراكة الحقيقية التي لاتحتمل النزوع نحو التفرد.. فالدولة لا تُبنى بمنطق “الفتح” بل بالشراكة والتعدد والاعتراف بالآخر والقبول به.. فاليمن ملك الجميع ويتسع للجميع.. وتجارب التاريخ اليمني القديم والمعاصر تثبت أن الأطراف التي استقوت بالخنادق بدل التوافق، ما لبثت أن دخلت دوامات الفشل والانهيار.. فالشعب اليمني لايقبل استبدال هيمنة بهيمنة بل يريد دولة مؤسسات وعدالة لا سلطة شعارات وشخصنة. ما دفعني للكتابة عن الشراكة الوطنية في هذا اليوم هو أن اليمن يمر بمنعطف خطير.. فالحرب لم تنتهِ والمخططات تتكاثر والأعداء يعيدون التموضع تحت عناوين جديدة منها عدوان اقتصادي خبيث يضرب لقمة العيش.. واستهداف سيادي لموانئنا وثرواتنا.. ومحاولات تمزيق المحافظات الجنوبية والشرقية إلى كيانات وظيفية. كل ذلك يتطلب توحيد القرار السياسي وتعزيز صلابة الجبهة الوطنية الداخلية، وليس ذلك ممكنًا إلا إذا صدقت النوايا، وتغلبت المصلحة الوطنية على مراكز النفوذ. مقصد القول بوضوح: في الذكرى التاسعة لإعلان الشراكة لاخيار أمام اليمنيين إلا أن يتفقوا على دولة، أو يغرقوا في بحر اللا دولة.. والمؤتمر الشعبي العام وأنصار الله بما يمثلان من ثقل سياسي وشعبي مطالبان اليوم ـ أكثر من أي وقت مضى ـ بترسيخ هذه الشراكة على أسس مؤسسية.. لا مجاملات ظرفية، ووضع حد لكل من يعمل على تقويضها من الداخل أو الخارج. فالشراكة الحقيقية لا تعني تقاسم المناصب.. بل تقاسم المسؤولية. ولا تعني توزيع الغنائم.. بل تحمل الأعباء. وفي الأخير التاريخ لن يرحم المتخاذلين.. ولن يمحو أسماء من ارتقوا بمواقفهم فوق جراحاتهم من أجل اليمن. |