صوفي من زبيد أنشد: ( وعيدي أنت يا سيدي) مهما يكن من أمر سيبقى "العيد" ذكرى رائعة لزمن وّلى ولطفولة نحتفظ بها مكنوزة في ذاكرة الجسد وتلافيف الروح، وسيظل العيد رمزاً يدل كـ "الشفرة" على زمن سيأتي من ذاكرة المستقبل محمولاً على صهوة التفاؤل ، محملاً بأريج الأيام التي تعرف جيداً كيف تبتسم وتختط طريقها يبن أحراج ا لألم وحاجيات العيش إلى الأمل. الضجة التي أحدثها هلال العيد ذات سنة هجرية مضت قبل قرون من الآن أشعلت في الناس حريق الدنيا والماديات، كانت "زبيد" حينها حاضرة الساحل ومركز عمار ونشاط اقتصادي وسياسي وثقافي، عرف بها وعرفت به منذ اختط الأشاعرة مدرستهم العامرة وجامعتهم الأولى في دولة الإسلام. ليلة العيد تلك لم يكن الناس كلهم سواءً في العيش والعافية والتقلبات العاصفة والمتسارعة في السياسة وشئون المممالك حّملت المدينة ثقل الآلام والعبرات وأعادت صياغة المشهد الاجتماعي بعد أن أعملت فيه الكثير من الخراب والتغيير الذي لم يكن إلى الأفضل بحال من الأحوال وبين مسرور ومحزون، مقبل على الحياة ومدبر، وأجد ومعدم وراحت شوارع وأسواق زبيد تمسرح حياة الناس وشئون أهل ذاك العهد والزمان: أصوات تعلو، ومتاجر تعرض زينتها وحاجيات العيد، أطفال يلهمون ويرفعون براءتهم إلى السماء لاستقبال فرحة العيد، وثمة أيضاً رجال يرفعون تنهداتهم وتأسفاتهم، يرسلونها حارة كأنما نضجت للتو على موقد القلوب الأسفة والأنفس الواجفة الراجفة، لا يجدون ثمن العيد الذي يودون لو عادوا به ليلتها إلى صغارهم وأهاليهم، لا يجدون ثمن الكسوة والحلوى وما يدخل السرور على القلب. وهكذا هي الحياة أبداً، ولا تنفك خافضة رافعة، مقبلة مدبرة، مانعة معطية. شئون المدينة كانت عامرة بالضجيج، مكتظة بأصوات شتى رسمت في مجموعها صورة واحدة للحياة بما فيها ومن فيها. وإنها ليلة العيد على مقربة من وادي زبيد، عند أطرافها المشرفة على جو الساحل وأفق الماء كانت خيمة متواضعة تغوص في العتمة مبحرة بجاه القلب، باتجاه السماء، ربانها رجل عابد كأنما لم يحفل بالعيد أو يشعر بما الناس حوله يفعلون ويهتمون! صوفي ناحل الجسد، متّقدة همته أبداً تحرق بخور الصلوات وأناشيد الذكر مطيبة المكان ومحيطة بالكثير من الروحانية والسكون الجليل. إنه هوة الدرويش والمجذوب، وصاحب الأحوال والكرامات شأنه الذكر والنشيد والصلوات في خيمته البعيدة القريبة.. عالمه خاص ولياليه استثنائية بالمرة .. مرة سأله عابر سبيل في ليلة رمضانية ماطرة " يا نك أُمر.. أشا لله سيدي" فأجابه من فوره " كلنا نشا لله.. لكن والله ما معي غير الله، هاه. . ودفع إليه بدعوة" ليلتها ليلة العيد، تناهى إلى مسامعه وهو في خيمته الضاجة بالصمت والسكون صوت الضجة التي تشهدها شوارع وأسواق المدينة القريبة البعيدة! أصوات متداخلة لبشر وطبول ومزامير وأهازيج.. كلها جعلته يستذكر أنه العيد، وقد أقبل وهذه أصوات حوافره ووقع خطاه.. نعم إنه هو.. العيد ولكن أي عيد عاد يعنيه أو يقصده هذا وأولئك؟ أي عيد يريده صاحب الخيمة الذي لا يجد من الدنيا سوى خيمة وسجاده وذكر يجدِّف به للوصل إلى ساحل الله وأهله؟! ولم يطل التفكير بالأمر لم يشأ أن يدعه يشغله عن الله .. ولذا أنشد بصوت يذبح من الوجد وصدق الشعور : << سمعت الناس في رنّــة... يقولوا باكر العيدي وعيد الناس دنياهم ... وعيدي أنت يا سيدي >> . |