المؤتمر نت - الدكتور عبد الكريم الإرياني مستشار رئيس الجمهورية

المؤتمرنت-ماجد عبدالحميد -
من باخرة الحلال إلى تهامة مرورا بيوم الوحدة وعام الأزمة..الارياني يتحدث عن نفسه
عبر الدكتور عبد الكريم الإرياني مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية والنائب الثاني لرئيس المؤتمر الشعبي العام في كلمة له في حفل تكريمه بدرع مؤسسة اليمن للثقافة والتنمية السياسية اليوم بصنعاء - عن شكره وتقديره لمؤسسة اليمن للثقافة والتنمية السياسية.

وثمن الارياني في كلمة مطولة له بالحفل جهود القائمين على هذه الفعالية التكريمية. معبرا في الوقت نفسه عن سعادته البالغة لهذا التكريم، وقال إن هذا التكريم يعد من أجمل الساعات التي عاشها خلال عمر يمتد لثلاثة أرباع القرن .

وتحدث الدكتور الارياني في كلمته - ينشر المؤتمرنت نصها- عن أهم المحطات التاريخية في مسيرة حياته التعليمية والسياسية والنضالية والوطنية.

وما بين النصف الأول من ديسمبر عام 1953 وبين فبراير 2012 م يروى الدكتور عبد الكريم الارياني جوانب من سيرة حياة حافلة بالنضال الوطني والعطاء في خدمة اليمن على مدى نصف قرن من الزمن ...

من تهامة ووديانها بدأت حياته العملية في خدمة الوطن عام 68م لينتقل بعدها بين مناصب عديدة في جهاز التخطيط ثم وزيرا للتربية والتعليم ورئيسا لجامعة صنعاء في سبعينيات القرن العشرين ...قبل أن يصبح رئيسا للوزراء ثم رئيس لمجلس إعمار المناطق المتضررة من زلزال 82 إلى نائب رئيس الوزراء وزيراً للخارجية.

الدكتور الارياني الذي كان احد من ساهموا في صناعة منجز إعادة تحقيق وحدة اليمن يصف يوم 22 مايو 1990 بالقول:إن ذلك اليوم الخالد كان يوماً لا يضاهى في تاريخ اليمن القديم والحديث، وأما ما جرى بعد ذلك اليوم الخالد فهي أمور يطول شرحها وتتعدد الآراء حولها، ولكنها لم ولن تلغي الفرحة الغارمة والعاطفة الجياشة. والشعور بالزهو والخيلاء التي يمثلها يوم الثاني والعشرين من مايو 1990.


في كلمته عرج الارياني على عام 2011م وهو عام الأزمة السياسية التي كادت تعصف بالوطن اليمني ويقول عنه :2011م هذا العام عام لم يسبق لي ولا لأي يمني عاشه أن عانى وتألم وخسر كل ما هو غالٍ وثمين، وتدهورت معيشته إلى منحدرات لا تقاس أعماقها، وكاد الوطن أن يصبح في خبر كان.

ورغم أن الدكتور الارياني كان يردد القول: بأن باطن الأرض خير من ظاهرها، إلا انه كان يلوذ بالاستماع أو الترديد إلى ما قاله المرحوم الشاعر عبدالرحمن الآنسي في القرن الثامن عشر الميلادي:
أسالك يا رحمن بالنور الذي لا ينطفي
سيد ولد عدنان حبيبك من توسل به كفي
قد ضاقت الأحوال وضاع الاحتيال والاجتهاد
وخابت الآمال إلا فيك يارب العباد
تخفف الأثقال وداوي بالصلاح داء الفساد

بارقة الأمل كما يقول الدكتور الارياني تتمثل في عتبة أمل نعبر به إلى اليمن الجديد عبر الانتخابات الرئاسية المبكرة .

المؤتمرنت ينشر نص كلمة الدكتور عبد الكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الدكتور/ حسين بن عبدالله العمري-رئيس مجلس أمناء مؤسسة اليمن للثقافة والتراث والتنمية السياسية
الأخ العزيز/ علي محمد الآنسي- رئيس الهيئة الاستشارية
الأخ اللواء/ حسين المسوري- نائب رئيس مجلس الأمناء
الأخ الأستاذ/ مطهر تقي- الأمين العام

إخواني وأخواتي ولي الحق أن أخاطب الكثير منكم أبنائي وبناتي
أيها الحفل الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تنحبس الأفكار وينعقد اللسان عندما يحاول أي إنسان يجد نفسه في لحظة كهذه أن يكون محورها حديث الآخر عن المتحدث إليكم ولكنها احتفالية جميلة هي ولا شك من أجمل الساعات التي عشتها خلال رحلة عمر ليست بالقصيرة فقد تجاوزت ثلاثة أرباع القرن.

وعندما تتعدد السنون ويمتد عمر الإنسان لما يزيد على ثلاثة أرباع القرن وتقصر السنوات المتبقية منه يصبح الاستغراق في الماضي واسترجاع أحداثه أكثر إلحاحا في تلك المرحلة من حياة الإنسان وتلك هي سنة الحياة.

وإسترجاع الماضي في أي يوم وأية ساعة محكوم باللحظة التي يستغرق فيها الفكر لان الماضي ليس مسرحية مكتوبة يرددها شخص يقف على خشبة المسرح.

فكم من مرة تحدثنا فيها مع أبنائنا عن الماضي بأفراحه وأتراحه ولكننا دائماً نستمتع به معاً مغرقين بالضحك والمرح حول أحداثه ونوادر مفارقاته وكم من مرة نسرد لهم بعضا من أوجاعنا ومعاناتنا ولكننا نكون قد نسينا ألامنا فنروي تلك الأحداث على طريقة الفكاهة والطرفة وليس بصيغة الشكوى والأنين وتلك أيضاً هي سنة الحياة.

لذلك فلو سألني أحد أبنائي حدثنا عن أجمل الفترات قضيتها في حياتك لقلت له إن المحطة الأولى بدأت في النصف الأول من ديسمبر عام 1953 عندما أبحرت باخرة من ميناء عدن اسمها (الحلال) وأنا مع أخي مطهر على ظهرها متجهين إلى جمهورية مصر عبدالناصر وقد طالت تلك الرحلة 21 يوماً سافرنا خلالها بجيبوتي ثم مصوع، ثم جدة، ثم بورت سودان، حتى حطت بناء في ميناء السويس، ومنه انطلقنا صوب قاهرة المعز. وعند وصولنا إليها بهرتنا انبهاراً لا حدود له بأضوائها الساطعة وألوانها المتعددة وشوارعها الفسيحة فقد كان القاهريون يستعدون لعيد رأس السنة الميلادية الجديدة 1954 بعد ثلاثة أيام فقط.

ومنذ حللت في القاهرة وبدأت فيها الدراسة الحديثة بكل أفراحها والقليل من أتراحها.
ولو سألني ابني وماذا بعد ذلك لقلت له لقد كان يوم الثامن من شهر أغسطس عام 1958م يوماً فاصلاً في حياتي الشخصية والدراسية والعلمية وذلك عندما استقليت الطائرة متجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتلك قصة أخرى.

ولو سألني أحد أبنائي وماذا بعد عودتك إلى الوطن في شهر يونيو 1968م لقلت له كما يقال في قصص السمر وراحت الأيام وجاءت الأيام، وصدر في شهر مارس عام 1968م قرار بتعييني مديراً مشاركاً في مشروع وادي زبيد الزراعي وكان أول يوم حاسم في مرحلة جديدة من العمر يوم حطيت الرحال في مدينة زبيد يوم 4 يوليو 1968 وفي ربوع تهامة قضيت أربعاً من السنوات كانت الأحلام الواسعة والثقة الراسخة بأن وديان تهامة الكبرى وهي وادي زبيد، ثم وادي سهام، ثم وادي سردد، ثم ميزاب اليمن الغربي كما سماه الهمداني وهو وادي مور كانت توحي إليَّ بأن العناء والتعب والنصب وشظف العيش في تهامة ذلك الزمن لاضير منه إذا تحققت تلك الأحلام، وليس هذا مقام للتقويم والمقارنة كيف كان حل تلك الوديان وحال أهلها عام 1968 بما عليه الحال اليوم.

غادرت تهامة في أوائل شهر يناير عام 1972 لأتقبل تحدياً ليس على مستوى منطقة أو إقليم ولكنه على مستوى الوطن عندما صدر قرار بتعييني رئيساً للجهاز المركزي للتخطيط الذي أنشأ بتمويل من الصندوق الكويتي والبنك الدولي، وكانت البداية حرفياً من الصفر والحديث عن الجهاز المركزي للتخطيط ليس هذا مقامه ولكنني قضيت فيه أربعاً من السنوات كانت في نظري أهم ما استطعت تقديمه لخدمة الوطن اليمني بصوابها وأخطائها واكتمالها وتقصيرها، وتلك أيضاً هي سنة الحياة.

ولو سألني أحد أبنائي وما بعد ذلك لقلت له لقد حل عام 1976 لأنقل عنوةً في نصفه الأول ولأصبح وزيراً التربية والتعليم ورئيساً لجامعة صنعاء وتلك مهمة لم تكن تخطر لي على بال، وتلك أيضاً هي قصة أخرى.

لقد كانت الحياة في عقد الثمانينات يا بني مليئة بالتقلبات، فمن رئيس الوزراء إلى رئيس لمجلس إعمار المناطق المتضررة من زلزال 82 إلى نائب رئيس الوزراء وزيراً للخارجية، ولكنها أعوام كانت مليئة بالهموم والتحديات وقليل من الأفراح. وقد كان يأتي في موقع الصدارة منها آلام ومآسي التشطير، وتلك أيضاً هي قصة أخرى.

ولكن عام 1989 انتهى يوم 29 نوفمبر بفرحة كبرى في مدينة عدن يوم صعدت فيه الآمال ثم هبطت ثم صعدت قرابة منتصف الليل عندما تم التوقيع على قيام دولة الوحدة على أساس الدستور الذي وقع عليه الجانبان يوم 31 ديسمبر 1982م وبعد ذلك اليوم استمرت الآمال بالصعود ثم الهبوط، ثم الصعود حتى حل يوم 22 مايو 1990.

أخواتي وإخواني:
إن ذلك اليوم الخالد كان يوماً لا يضاهى في تاريخ اليمن القديم والحديث، وأما ما جرى بعد ذلك اليوم الخالد فهي أمور يطول شرحها وتتعدد الآراء حولها، ولكنها لم ولن تلغي الفرحة الغارمة والعاطفة الجياشة. والشعور بالزهو والخيلاء التي يمثلها يوم الثاني والعشرين من مايو 1990.

أما اليوم وهو السادس عشر من شهر فبراير 2012 فهو يأتي ونحن على عتبة أمل نعبر به إلى اليمن الجديد يمن التجديد فالتجديد سنة من سنن الحياة والتجديد للشعوب ضرورة كما هو الحال لكل الكائنات على وجه البسيطة، فكل الكائنات التي عجزت أن تتلاءم وتتحول وتتحور بإطلاق الطفرات الكامنة في بنيتها الوراثية لكي تعيش المتغيرات في بيئتها سواء كانت مناخية أو جغرافية، قد انقرضت منذ ملايين السنين.

ومع بارقة الأمل القادم لا يجوز لي أن أتجاهل أنه قد سبق هذا العام عام لم يسبق لي ولا لأي يمني عاشه أن عانى وتألم وخسر كل ما هو غالٍ وثمين، وتدهورت معيشته إلى منحدرات لا تقاس أعماقها، وكاد الوطن أن يصبح في خبر كان. ولا أنكر أنني كنت أردد كثيراً القول بأن باطن الأرض خير من ظاهرها، وليس هو مقام الحديث عن مآسي وآلام عام 2011 ولكنني اكتفي بالقول أنني كثير ما رددت أو استمعت إلى ما قاله المرحوم الشاعر عبدالرحمن الآنسي في القرن الثامن عشر الميلادي:
أسالك يا رحمن بالنور الذي لا ينطفي
سيد ولد عدنان حبيبك من توسل به كفي
قد ضاقت الأحوال وضاع الاحتيال والاجتهاد
وخابت الآمال إلا فيك يارب العباد
تخفف الأثقال وداوي بالصلاح داء الفساد

أخواني وأخواتي:
أرجو الصفح والمعذرة قد أثقلت على مسامعكم بالحديث عن نفسي ولكنني لم أجد بداً من العودة إلى الذات في مناسبة كهذه التي شرفتموني فيها بالحضور لتكريمي.

أرجو المعذرة مرة أخرى والسلام عليكم




تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 02-ديسمبر-2024 الساعة: 02:39 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/96983.htm