|
صورها الأب وبعث مجدها الابن ويوثقها الحفيد لعلها لحظة اعتراف جريئة بين يدي العصر والحداثة بأن الأصالة لا تموت أو تندثر.. بل تفوز برهان الغد، وتنتزع الأمل بكبرياء من براثن التحديات المريرة.. لأنها تمتطي إرادة الرجال، وإصرارهم على التأسيس للأفضل، وغرس الحدقات بآفاق عريضة ظلت فيها الشمس تكتب الوعود بخيوطها على صفحات كل جبل يمني يقف بصمود، وكل وادٍ يحتضن اخضراره، وكل ركن صنعاني اختطف عدسات (علي السمه) يوماً، وسحره بعشقه، فالتصقت روحه بثناياه، وصار يلتقط له الصور، ويفاخر به أنه من بعض ربوع اليمن. ربما لم يكن الوالد علي السمه واثقاً أن العمر سيمتد به إلى ألفية ثالثة، إلا أنه كان واثقاً بأن بشائر الثورة لا تكذب، وأن الغد لا يخلف موعده، وأن هذا الشعب اليماني الكادح لن يخجل على التاريخ بمجد جديد.. وهو رغم ارتجاف أعوام السبعينات بالقلاقل، والفتن، حمل الكاميرا وصار يلتقط الصور لصنعاء القديمة، ومنطقة (السايلة) ويتفنن بزوايا العدسة لتشمل كل شبر من هذه المعشوقة المسماة (وطن). لكن بعد ثلاثة عقود وجد الابن (محمد علي السمه) نفسه بين صور أبيه القديمة وبين عالم آخر ينبض بألوان الحياة الزاهية، ووجد صنعاء تحتفي بتتويجها عاصمة للثقافة العربية، فأبى على نفسه إلا أن يتتبع أثر الصور القديمة ويلتقط لكل ركن منها صورة بقشيبه العصري الضاحك، ومن ثم يعرض الحقبتين معاً في بيت الثقافة مفاخراً بما تحقق من نمو وعمران. حين زار "المؤتمر نت" معرض الفنان محمد علي السمه، بهرتنا صور الأب القديمة، وسلبت أبصارنا مفاتن صور الابن الحديثة، لكن كم رفرفت قلوبنا لابن العشر سنوات (ابن محمد) وهو يمسك بالكاميرا ويوثق بعدستها مراسيم الافتتاح، وإيماءات أبيه وهو يشرح، ودهشات الضيوف.. فقد أدرك هذا الفتى مبكراً أن العصر زمانه، والدور دوره، والدرب الذي خطه الجد، سار عليه الابن، ولابد أن يستكمله الحفيد. أدركنا في الحال كم هو عظيم شعبنا، وكم مجدنا تليد، فهذه أجيال ثلاثة تتواصل وما زال الأمل مديد. التقينا الفنان محمد علي السمة لنستكشف أسرار الفكرة، فقال لنا بتواضع جميل: * مجموعة الصور هذه التقطها والدي في السبعينات لمنطقة (السايلة) من غير تكليف من أحد، فأخذ يصور المواقع كاملة، ويصور وادي السايلة قبل أن تكون مشروع، وحينها لم تكن إلا تراباً ليس فيها أية لمسات فنية أو حضارية. وذات يوم عرضت على والدي فكرة مقاربة الصورة القديمة بصور حديثة وتنظيمها بمعرض، فقال: دعنا نرى رأي الأخ وزير الثقافة. وعندما عرضناها على الأخير الوزير أعجب بها كثيراً، وقال أريد منك معرضاً تقارن به بين الماضي والحاضر، وكل ما هو موجود في الصور القديمة أريد تصويره في الوقت الحاضر.. فبدأت أصور المنطقة موقعاً موقعاً، واستغرق ذلك مني حوالي الشهرين.. وكانت الفكرة التقاط (100) صورة، لكن تم اختصارها لاحقاً إلى (40) صورة، والحمد لله نجح العمل. * (المؤتمر نت): وهل قمت بهذا العمل على نفقاتك الخاصة، (السمة) : لا .. دعمنا الأخ وزير الثقافة الأستاذ خالد الرويشان، فقدم لنا تكاليف التصوير والطباعة والإطارات، إضافة إلى مبلغ مالي كمكافأة، وهذه التفاتة كريمة يُشكر عليها. * (المؤتمر نت): من خلال مقارنتك بين الحقبتين، هل تجد بصمات النهضة واضحة؟ * (السمة): طبعاً .. ما كان الأخ الوزير اختار هذه الصور لهذه المنطقة إلا لأنها حظيت باهتمام كبير من الدولة، ورعاية خاصة من فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح –حفظه الله- من خلال توجيهاته الكريمة المتواصلة للمختصين بوزارة الثقافة بمناسبة الاحتفاء بصنعاء عاصمة الثقافة العربية. فكانت كل الجهود منصبة على صنعاء القديمة، فجاءت هذه الصور لتعكس مدى التطور الذي حدث في الفترة بين السبعينات وبين عام 2004م. فالصور خير شاهد على حجم التطورات والتحولات في بلادنا. * (المؤتمر نت): ماذا تعني لك صنعاء ؟ * (السمة): صنعاء هي معشوقة كل يمني.. صنعاء هي الأم.، صنعاء هي الأصالة .. وهي الحضارة، والحبيبة لكل وطني، ولكل مخلص، ولكل عربي. * (المؤتمر نت): لماذا لا تحاول نشر ما لديك من صور على الإنترنت لتكون دليل العالم إلى اليمن؟ * (السمة): هذا هدف، وأتمنى الحصول على دعم من الجهة المختصة في وزارة الثقافة والسياحة لأنني أعتقد أنها ستكون ترويج سياحي وثقافي كبير لليمن ومكانتها الحضارية، ونحن لو صار مثل هذا المشروع مستعدون لإعطاء كل ما لدينا من صور أثرية وسياحية سواء عن صنعاء أم غيرها من المدن اليمنية. * (المؤتمر نت) : هل تنوي إقامة معارض مماثلة خاصة بمحافظات اليمن الأخرى؟ * (السمة) : بالإمكان القيام بذلك، ولدينا حصيلة لا بأس بها قام بتصويرها الوالد رعاه الله وأعطاه الصحة والعافية في فترات متباعدة وما زالت هذه الصور محفوظة ولم تظهر للنور نتمنى من الجهات المختصة دعمنا لنقوم بإعادة تصوير هذه الأماكن وإقامة معارض كبيرة وشاملة. * (المؤتمر نت) : هل من رسالة للفنانين والمبدعين ممن يمتلكون صور ؟ * (السمة) : لاشك أن الكثير من الذين التقطوا صور قديمة انتقلوا إلى رحمة الله لكن يجب على أبنائهم وأحفادهم أن يعطوا ما لديهم من صور كمساهمة وطنية إلى جهات الاختصاص ليتم تصويرها حديثاً والمقارنة التي ستعطينا توثيقاً تاريخياً لحقبة طويلة. وأشير هنا إلى أن عمل كهذا يتطلب جهد كبير، وليس بمقدور أحد بمفرده القيام به ويحتاج إلى توجيهات حكومية داعمة، وأتمنى أن يكون الدعم من قبل فخامة الأخ رئيس الجمهورية، وألفت الانتباه إلى أن هناك صور كثيرة التقطها أجانب من المستشرقين والسياح وسيكون الحصول عليها أمر شاق من غير تنسيق وجهود حكومية. * (المؤتمر نت) : لو تم تكليفكم رسمياً بهذه المهمة، هل لديكم القدرة على إنجازها؟ * (السمة) : هناك المركز الوطني للوثائق الذي يرأسه الوالد القاضي (علي أبو الرجال)، وهذه المهمة تدخل في صميم اختصاصاته ومهامه المناطة به، لأنه عمل كبيراً جداً. لكن بالنسبة لي سأعتبر نفسي جندي في الميدان، وأقوم بالعمل المناط بي في الفترة الحالية أما الفترة الماضية فأعتقد أن المركز الوطني للوثائق من خلال إمكانياته وعلاقاته يستطيع التواصل مع الأخوة المصورين في المحافظات ويطلب منهم ما لديهم. إذن هذه هي قصة محمد علي السمة، وحكاية الأب والابن والحفيد التي هي حكاية تاريخ يمني ممتد تكتب صفحاته أنامل المخلصين والمبدعين من أبنائه.. ولكن يا ترى هل ستسعى الجهات الرسمية المختصة لاستكمال الطريق الذي فتحه أمامهم محمد السمة ؟ ذلك هو السؤال الآن، وذلك هو ما ستكشفه الأيام. |