المؤتمر نت -

المؤتمرنت - الشرق الاوسط -
ميشيل أوباما.. سيدة أولى مرتقبة
لا يعرف أحد على وجه التحديد ماذا قالت هيلاري كلينتون الى ميشيل زوجة باراك اوباما، قبل ان تبدأ مناظرة تلفزيونية كانت قد جرت بين اوباما وهيلاري في جامعة كليفلاند بولاية اوهاية في فبراير (شباط) الماضي، بيد ان بعض التكهنات التي نشرت في الصحف الاميركية تقول إن ميشيل أبدت امتعاضاً شديداً من سماع العبارة التي قالتها هيلاري. يعتقد البعض إنها ربما تكون عبارة تحمل دلالات عرقية، لكن ذلك مستبعد، إذ ان هيلاري وعلى الرغم من هفواتها الكثيرة، مثل قولها انها زارت البوسنة تحت رصاص القناصة، الى آخر هفواتها عندما اشارت الى اغتيال روبرت كنيدي في كاليفورنيا، على اساس ان ذلك ربما يحدث لأوباما، لا يمكن ان ترتكب «زلة عنصرية». بيد ان نشر هذه القصة وعلى نطاق واسع في الصحف الجادة والشعبية في اميركا خاصة في الولايات التي يوجد بها سود، ارتبط دائماً بتحليلات تقول إن ميشيل اوباما ستكون هي العقبة الكأداء إذا ما قرر اوباما ترشيح هيلاري في بطاقته الانتخابية لمنصب نائب الرئيس، وقال أكثر من محلل في وسائل الاعلام الاميركية، إن البيت الابيض لا يمكن ان يتحمل وجود سيدتين بخلفية ثقافية مختلفة، ومشاعر متباينة وأسلوب حياة مغاير تماماً.
في ذلك الشهر، اي شهر فبراير الذي ذكر ان الواقعة حدثت فيه، سئلت ميشيل إذا ما كانت تعتقد انها ستعمل مع هيلاري كلينتون في حالة حصولها على ترشيح الحزب الديمقراطي، وقالت ميشيل وقتها «سأفكر في الامر، سأفكر في السياسات، وفي اسلوبها في التعامل مع القضايا» وأضافت تقول «تعرفون ان اي أحد في هذا الحزب سيعمل كثيراً لصالح من سيتم اختياره».
الآن وبعد ان حقق باراك أوباما «انجازاً تاريخياً» بدأت الاضواء تسلط على ميشيل المحامية الدؤوبة والنشطة والتي حفزت زوجها على الانغماس في العمل السياسي. تتحدث ميشيل بصوت فيه بحة، صوت ليس جذابا مثل صوت زوجها لكنها تحرص على مخارج الحروف. تبدو رصينة وحازمة ودقيقة. أنيقة الملبس وعفوية في تصرفاتها ومتحفظة تبدو عليها رواسب من أصول متواضعة. عندما تصعد الى الخشبة بعد ان يكون زوجها قد فرغ من خطبة ما، تطبع قبلة خجولة على خده، وتصفق له وهي تضع ابتسامة عريضة، وغالباً ما تهمس في أذنه. هي تود ان يتحدث عنها الصحافيون رغم انها لا تتحدث معهم إلا نادراً. في التجمعات الانتخابية تتكلم بنبرة متوقدة حماساً. يقال إن لها ثقافة واسعة خاصة في المجال القانوني.
جاء باراك اوباما الى مدينة شيكاغو قبل عقدين من الزمان، حيث سيتعرف بعد مضي سنوات وهو هناك على ميشيل، جاء اوباما شاباً يحمل أفكاراً مثالية وكان طموحه مساعدة الفقراء، مع رغبة دفينة ان يصبح كاتباً في يوم من الايام. ولم يكن اوباما يعرف شيئاً عن السياسة في هذه المدينة التي تشبه الى حد ما مدينة نيويورك بما في ذلك التشابه في ناطحات السحاب.
ويقول اوباما إن زوجته ميشيل كانت تنصحه دائماً «إذا اردت ان تقدم لا بد ان تكون مستمعاً جيداً وتتعلم مما تسمع». وكان أن بدأ اوباما من بداية السلم السياسي اي كناشط اجتماعي حيث سيعرف خلال هذه الفترة ماذا يعني الفقر. ولدت زوجته ميشيل روبنسون في يناير (كانون الثاني) عام 1964، في جنوب شيكاغو في منطقة بائسة نسبياً، وكان والدها فرازير روبنسون يعمل موظفاً صغيراً في شركة المياه التي تزود شيكاغو بالمياه العذبة، وكانت والدتها ماريان روبنسون تعمل سكرتيرة في متجر للتصميمات وله شقيق واحد يكبرها ببضعة اشهر وقد اشتهر في الحي باهتمامه بكرة السلة حيث سيصبح مدرباً لهذه اللعبة الرياضية التي تحظى بشعبية واسعة في اميركا تماثل شعبية كرة القدم الاميركية.
وتتحدر ميشيل في الاصل من ولاية جنوب كارولانيا وما يزال الكثير من أهلها يعيشون في هذه الولاية، لذلك شاركت في عدة تجمعات انتخابية عندما كان اوباما يجول مدن جنوب كارولانيا. وأهل ميشيل هم أحفاد أجيال من الاجداد الذين عاشوا في ظل العبودية لذلك مشاعرهم مثل مشاعر معظم الاميركيين السود، يحاولون نسيان ماض مؤلم لكن حاضرهم التعيس يملأ صدورهم بالغيظ.
عندما القى باراك اوباما خطابه الشهير في مدينة فلادلفيا (ولاية بنسلفانيا) للتصدي للحملة التي أعقبت تصريحات مثيرة للجدل ادلى بها مرشده الديني السابق القس جيريميا رايت، قارن بين جدته التي تولت تربينه في هاواي وكانت كما قال تخشى الرجال السود الذين يسيرون في الشارع، وبين زوجته ميشيل التي قال إنه تتحدر من عبيد كانوا يباعون في الاسواق.
درست ميشيل المرحلة الثانوية في كالفورنيا وانهت دراستها الثانوية عام 1981 ثم درست العلوم الاجتماعية في جامعة بريستون كما درست هناك ايضاً اللغة الفرنسية قبل ان تنتقل الى جامعة هارفارد عام 1988، وفي هارفارد ستنخرط في نشاط سياسي، حيث كانت من المدافعات عن تعيين اساتذة من الاقليات. عادت بعد التخرج في شركة» سيدلي اوستن» تعمل في مجال الاستشارات القانونية، ثم عملت بعد ذلك ضمن طاقم موظفي عمدة شيكاغو ريتشارد دالي والد العمدة الحالي، كما عملت كذلك في جامعة شيكاغو. التقت ميشيل مع باراك اوباما اثناء عملهما في شركة» سيدلي اوستن»، وما قرب بينهما انهما كانا الاميركيين السود الوحيدين ضمن ضاقم القانونيين الذي يعمل في الشركة.
بدأت علاقتهما بتناول وجبة الغداء سوياً عندما يكونا في المكتب، ثم توطدت العلاقة حي عملا سوياً ايضاَ في أنشطة اجتماعية، ثم خطبها اوباما ليتزوجا عام 1992 وانجبا ابنتهما الاولى ماليا عام 1998 اي بعد سنوات من زواجهما، والبنت الاخرى ناتاشا عام 2001 .
تفرغت ميشيل للعمل الاجتماعي عندما عملت مديرة تنفيذية»لمكتب شيكاغو» وهي منظمة غير ربحية هدفها تشجيع الشباب للعمل في المجالات الاجتماعية في المنظمات غير الحكومية والوكالات الحكومية كذلك. وفي عام 1996 انتقلت للعمل في جامعة شيكاغو مساعدة لمدير الجامعة حيث تولت تطوير مركز الخدمات في الجامعة، ثم انتقلت الى المستشفى الجامعي، ومنذ عام 2005 اصبحت تعمل جزئياً حتى يتسنى لها التفرغ لتربية بنتيها. الكل يعرف بانه الآن هي المستشارة الاقرب الى زوجها، لكن عندما سأله لاري كينغ في البرنامج الحواري الذي يحمل اسمه في قناة»سي إن ان» ردت قائلة» انا لست المستشارة الرئيسية».
يعتقد كثيرون ان ميشيل هي نقطة ضعف اوباما وفي هذا السياق تقول سوزي برودلي رئيس جمعية النساء الشابات الديمقراطيات في واشنطن»أعتقد ان كثيرين ينظرون الى ميشيل اوباما نظرة سلبية، أو على الاقل ليست ايجابية» وتعزو برودلي ذلك الى ان ميشيل»ركزت خلال الحملة الانتخابية على موضوع الاعراق» هذه مسألة نفسية قد لا يكترث لها الناخب الذي تستهويه شعارات التغيير المدوية التي يرفعها السيناتور اوباما» وقالت بردولي لـ«الشرق الاوسط» اخشى ان يركز الجمهوريون خلال الحملة الانتخابية على شخصية ميشيل التي تبدو انطوائية الى حد ما، وربما يأتون ببعض المزاعم التي قد تؤدي الى اضعاف موقف اوباما». لكن بالمقابل هناك جهات اخرى لها رأي آخر، إذ اعتبرتها مجلة «اسنس» عام 2006 من بين أكثر 25 امراة طموحة في العالم، وفي يوليو (تموز) من العام لماضي وضعته مجلة «فانيتي فير» من بين أفضل عشرة اشخاص يعتنون بأناقتهم. اما جامعة هارفارد فاعتبرتها طبقاً لتصنيفها العام الماضي من بين افضل 100 خريج وجاء ترتيبها رقم 58 في حين جاء ترتيب باراك اوباما الرابع. والنقطة السوداء في سجل ميشيل العملي، هي عندما اصبحت عضوا في مجلس إدارة شركة مواد غذائية تسمى شركة «تري هاوس فوود» التي تزود المجموعة العملاقة «وال مارت» بالمواد الغذائية، لكن ميشيل قطعت علاقتها بتلك الشركة بمجرد ان شرع اوباما في توجيه انتقادات شديدة لمجموعة «وال مارت» التي تعتبر أكبر شركة لاستغلال اليد العاملة في العالم. لم تعمل ميشيل كثيراً الى جانب زوجها في الحملة الانتخابية، على الرغم من انها قللت من ارتباطاتها العملية بنسبة 80 بالمائة بعد ثلاثة أشهر من اعلان اوباما في فبراير (شباط) من العام الماضي عن ترشيح نفسه من مدينة سبرينغفيلد في ولايته الينوي، بيد انها لم تكن تسافر لا ليومين فقط في الاسبوع وسرعان ما تعود الى شيكاغو، وكان من بين أبرز التجمعات الانتخابية التي لفتت اليها الانتباه تجمعين مع اوبرا وينفري اغنى نجمة تلفزيونية في العالم، وهو التجمع الذي قالت فيه اوبرا» لم اتبرع للحملة لكن فعلت ما هو أهم وهو الطلب من مصفف الشعر الخاص بي ان يهتم بشعر اوباما» وعندما سألها الجمهور» وماذا عن ميشيل؟» اجابت» هذه اكثر اناقة مني».
ويقول جنيفر هنتر وهو أبرز محرري صحيفة «شيكاغو صن تايمز» عن احاديثها خلال الحملة الانتخابية» إنها مثل الجمرة المشعة». ورداً على سؤال لـ«الشرق الاوسط» بشان أبرز ما حققته من خلال مشاركتها في الحملة الانتخابية قال «إنها تمثل التصميم والإرادة داخل فريق الحملة». وكشف هنتر النقاب عن ان ميشيل اشترطت على زوجها ان يقلع عن التدخين حتى يمكنها المشاركة في حملته الانتخابية. وهو يعتقد انها كانت ناجحة لانها ركزت فقط على الجانب العرقي والتعليم باعتبارها أما واستاذة جامعية. تحدثت ميشيل كثيراً خلال الحملة الانتخابية عن أسرة اوباما، ويبدو ان المخططين الاستراتيجيين لحملة المرشح الديمقراطي طلبوا منها ذلك.
وفي سياق آخر تقول الصحافية كاثي براند التي تعمل مع عدة صحف في واشنطن «انا معجبة بميشيل اوباما، هي امرأة ذكية وبارعة عملت جنباً الى جنب زوجها لتجعل منه شخصية لها وزنها» وتحلل براند لـ«الشرق الأوسط» العلاقة بين الزوجين قائلة «ميشيل اوباما ليست ظلاً لزوجها كما يقول كثيرون، إنها بالفعل مكملة له وهو ايضاً مكمل لها». وتعتقد براند ان ميشيل اوباما ستكون «سيدة اولى واعدة بالمقارنة حتى مع الينور روزفلت وحركية جاكي كنيدي ، وهي مثل الينور وجاكي متعلمة تعليماً مهماً، وهي عكسهما جاءت من وسط وضيع». وتمضي براند في المقارنة قائلة «ميشيل على غرار الينور وجاكي تعتبر مساندة رابطة الجأش لزوجها مع مواقف متزنة جميلة وملفتة، ولكن على عكس جاكي هي تتحدث وتدافع عنه وعن آرائه وعن الناس الذين يرغب في تمثليهم». وتوضح قائلة «هي محامية قبل كل شيء عمل سنوات في مجال التشريع وهو الامر الذي ساعدها على ان تصبح خطيبة وناشطة في المجتمع». وتختم براند ملاحظاتها قائلة «دائماً ما تكون أنيقة، أناقة بسيطة وهي شعبية مما يجعلها تعمل ببساطة واضحة، وهو أمر لم تكن تتقنه جاكي كنيدي».
وفي سياق التنويه بهذه السيدة التي ولدت في أزقة البؤس لكن البؤس لم يولد في دواخلها كما يتضح من أحاديثها وخطبها وتصرفاتها، تقول كارين غوردون الناشطة الديمقراطية في صفوف الحزب الديمقراطي في واشنطن «انا معجبة بميشيل باعتبارها سيدة سوداء قوية ولها مهنية عالية. وانا معجبة بها لانها تتحدث بنزاهة، ومعجبة بوقفتها الملفتة الى جانب زوجها، وهي تبدو وتتصرف كسيدة اولى حقيقية».
وتعتقد كارين ان ميشيل مثل اوباما فخورة بوطنها، لذلك تردد كما يفعل اوباما بان ما يحدث الآن على الساحة السياسية الاميركية لا يمكن ان يحدث في اي مكان في العالم، وهي لاشك فخورة بانه لاول مرة منذ وقت طويل يساهم آلاف الاميركيين الذين لم يسبق لهم المشاركة في نشاط سياسي الآن وبارقام قياسية في بناء قاعدة التحرك نحو التغيير».
في فبراير (شباط) من العام الماضي وضعت مجلة «ابوني» أي الأبنوس، الموجهة للطبقة المتوسطة من السود الاميركيين صورة باراك اوباما وميشيل اوباما على غلافها مع عنوان يقول «الزوجان الأولان المقبلان في اميركا» كانت صورة الغلاف صور باسمة للسيناتور اوباما وزوجته ميشيل تضع يديها على كتفيه وتكاد ان تضع رأسها فوق كتفه. ابتسامة اوباما غير متكلفة في حين بدت ميشيل بسيطة، حلوة المبسم. تحت عنوان الغلاف كان هناك عنوان فرعي يقول «حبهما وخططهما في المستقبل». تقول الصحافية لين نورمينت التي كتبت موضوع الغلاف «في سرعة قياسية اصبح نجم الصحافة المحبوب، والمرشح الرئيسي لأهم مكتب على وجه الارض، لكن بالنسبة لزوجته وابنتيه هو فقط دادي» (أي الأب). يتطرق موضوع الغلاف الى حياة باراك الأسرية. في تفاصيل الموضوع ان باراك يعيش حياتين لا علاقة ببعضهما بعضاً من مناقشة السياسات الكبرى في واشنطن الى غسل الاطباق في مطبخ منزله في شيكاغو». وهي عادة تقول ميشيل الآن انه لم يتخل عنها. وكان اوباما قد اضطر من فرط تعب الحملة الانتخابية في مارس (آذار) الماضي ان يعود للاستراحة بضعة ايام مع ميشيل في شيكاغو، وعندما سئل وقتها لماذا قرر ان يأخذ عطلة من الحملة، قال «ليس عطلة بل كانت مجرد نهاية اسبوع طويلة» واضاف مازحاً «كانت هناك الكثير من الاطباق التي تنتظر الغسيل، وهناك الكثير من الاشياء داخل المنزل التي تنتظرني ميشيل لأساعدها في انجازها». يلخص اوباما حياته المنزلية قائلاً «كما تقول ميشيل انني رجل جيد، لكنني اتصرف مثل كل الرجال.. انني أرمي جواربي في أي مكان، وأعلق ملابسي على الباب، وتتكوم الصحف التي اعتزم قراءتها قرب السرير»، ثم يضيف قائلاً «بعد 14 سنة من الزواج تعلمت منها الكثير». ظلت الهواية المشتركة لكل من اوباما وميشيل بسيطة للغاية. تناول وجبة العشاء مبكراً ثم الذهاب الى السينما. هذه العادة أو الهواية تغيرت الآن. يقول اوباما «الآن تقدمت في السن (عمره الآن 46 سنة فقط)، لذلك أذهب الى الفراش بعد العشاء مباشرة». مجلة «ابوني» تراهن على ان تدخل بغلاف شهر فبراير (شباط) من العام الماضي تاريخ الصحافة الاميركية. شعار المجلة يقول «إن احلام الاميركيين السود يمكن ان تتحقق» والآن تأمل المجلة ان يتحقق حلم وصول رئيس اسود الى البيت الابيض، ليصبح العدد الذي اصدرت منذ أكثر من سنة، هو العدد الاشهر خلال سنوات بل ربما حقب اخرى.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 02-ديسمبر-2024 الساعة: 02:57 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/60667.htm