المؤتمر نت - من السهل أن ترى لماذا يروي المرشدون السياحيون حكايات الليالي العربية في محاولة منهم لجذب الزوار إلى اليمن، البلد الذي يبدو ساحرا ًإلى حدِ ما، وتبدو فناءاته مشرقة تختلط بأركان مظلمة وواجهات  خفية تنتهي من خلال الحارات المرتبطة بالمباني الطويلة في العاصمة صنعاء، لكن ليس كل النوبات حميدة،فاليمن في الحقيقة بلد بما فيه من الجمال والسحر

المؤتمر نت -ترجمة عماد طاهر * -
القـــــــــــــات آفـــــــة اليمـــــــــن
من السهل أن ترى لماذا يروي المرشدون السياحيون حكايات الليالي العربية في محاولة منهم لجذب الزوار إلى اليمن، البلد الذي يبدو ساحرا ًإلى حدِ ما، وتبدو فناءاته مشرقة تختلط بأركان مظلمة وواجهات خفية تنتهي من خلال الحارات المرتبطة بالمباني الطويلة في العاصمة صنعاء، لكن ليس كل النوبات حميدة، فاليمن في الحقيقة بلد بما فيه من الجمال والسحر إلا أنه يشوبه بعض التنغيصات مثل الفساد، والقبائل المتحاربة، والفقر، وكونه مهدد بنقص المياه التي هي شريان الحياة.

في السبعينيات كان مستوى المياه في العاصمة صنعاء يمكن الحصول عليه من خلال الحفر إلى (10) أمتار في الأرض فقط، حسب قول "كايل فوستر" الخبير الأمريكي الذي يعمل في اليمن منذ بضع سنوات، ويعمل على رفع مستوى الوعي في البلد الذي تختفي فيه المياه الجوفية (أما الآن فقد قامت السلطات المحلية بالعثور على المياه على بعد 800-1000) متر من العمق.
يعمل "فوستر" في الوقت الحالي كخبير استشاري، يقول إن معظم احتياطات المياه الجوفية اليمنية استنزفت ويجري الآن تجديد الموارد.

الأكثر غرابة، أن تكتشف أنا ما يقدر بـ80 في المائة من الري الزراعي في اليمن يذهب إلى محصول واحد، والذي لا يعود بالنفع على الكثير، أو جلب العملة الصعبة من الخارج.. إنه القات الذي يزرع في جميع أرجاء اليمن، والذي يتولع به اليمنييون حتى الجنون.

إن القات يحتوي على مخدر خفيف، فعندما تمضغه تحشي جانب من فمك بأوراق القات حتى تنتفخ وتصبح كالبالون تشبه السمكة المنتفخة، وحتى تصل إلى قمة النشوة يمكنك أن تمضغه إلى مدة تصل ست ساعات، يمكنك الوقوف في إحدى زوايا أي شارع في العاصمة صنعاء لترى فعلاً كم مدى شعبيته.
إنها مدينة النجوم فعلاً، فالكل منفوخ الوجنات في كل مكان تذهب تجدهم في الحافلات أو الدراجات، أو المارة، أو في الأسواق، يكاد يكون من المستحيل للبائعين في المحلات أن يفهمونك لأن أفواههم مليئة بالقات..

يقول "فوستر" إن المزارعين بإمكانهم الحصول على الكسب السريع إذا هم قاموا بريها خلافاً لغيرها من المحاصيل مثل: الكاكاو، التي يمكن أن تستغرق سنوات لزراعتها، يقال أن مساحة الأراضي التي تحولت إلى زراعة القات تتوسع أكثر من 10% في السنة في اليمن.
أما ممارسات الري تحتاج إلى أن تتغير بسرعة وإلى توعية الناس بعدم الإسراف بالمياه، وإلى ضوابط للمياه؛ بحيث تشجعهم على استخدام المياه الاستخدام الأمثل أو أنهم بحاجة إلى التحول إلى نوع آخر من المحاصيل النقدية، ولكن كيف لك أن تمنع شعباً بأكمله من هذه النبتة التي هي جزء من النسيج الاجتماعي له؟!!
أكثر من نصف البالغين اليمنيين يمضغون القات بصفة يومية وينفق الناس عليه الكثير بصفة منتظمة خارج إراداتهم لشرائه.

إن تكاليف شراءه تبلغ أحيانا 10 دولار أمريكي، ومعظم اليمنيين يكسبون أقل من 2 دولار في اليوم، لذلك ما الذي يجذبهم إليه؟!!

إن كثير من الناشطين في هذا المجال يصفونه بأنه يعطي النشوة المماثلة لتلك التي تلي المحادثة الجادة، والتي تعطي حلاً للمشاكل التي يتبعها اكتئاب يولد شعور عميق بالحزن، لذلك أنت تختار سم لنفسك بهذا القات..
التقيت طيار يمني كان يقضي إجازته وأخبرني أنه يمضغ القات، لأنه يشعره بأنه ذكي جداً، وفي بعض الأحيان عندما أمضغ القات لا استطيع أن أقرأ كثيراً، تعلمون أننا يمكننا أن نذهب ونعمل ونفكر كثيراً، إنه يثير تصور الشيء الذي يمكن أن يصبح الإنسان فيه فهو قريب من الحشيش الذي تعرفونه.

بل إن هذه النبتة ينتقدها الكثير، فقد أقرت واشنطن –مؤخراً- أن تضع قواعد تنص على أن أي شخص يريد الهجرة من اليمن إلى أمريكا لا بد أن يثبت بأنه ليس ممن يتناولون القات منذ ثلاثة سنوات، وتدعي منظمة الصحة العالمية بأن هذه العادة تشكل عادة أساسية، إذا لم تكن بالضرورة تؤدي إلى الإدمان.

إن ثروات العربية السعيدة تتجه نحو الانخفاض..
يقول أحد الصحفيين اليمنيين "وإن كانت اليمن مولعة به كثيراً إلا أنه آفة كبيرة عليها".
في كثير من الأحيان يمضغ تجار القات هذه النبتة ويبيعون أوراقها في نفس الوقت.

تقول "مارجريت إيفانز" من (CBC): إن القات واحد من أكبر المشاكل التي تواجهها اليمن، وليس هناك أي جهد سياسي يستطيع أن يكافح هذه النبتة.

ويقول الصحفي إن هذه النبتة أوجدت ناس كسالى. مشيراً إلى أنه حتى في الاحتجاجات التي يقوم بها البعض ضد الحكومة تعرف بأنها تنتهي في وقت مبكر، وذلك ليتمكن الناس من العودة إلى ديارهم لمضغ القات.

وهناك قصة تقول إنه في عام 1994م أثناء الحرب التي قامت بين الشمال والجنوب كان الجنود يوقفون إطلاق النار بصفة مستمرة من الجانبين في فترة ما بعد الظهيرة حتى يتمكنوا من مضغ القات.

إن فترة ما بعد الظهر يعود الناس في اليمن إلى منازلهم لمضغ القات فقط، ويستمروا بمضغه إلى مدة تصل إلى خمس أو ست ساعات، وبعضهم إلى 12 ساعة في المكان دون أن يفعل شيئاً سوى مشاهدة التلفاز، حتى إن الزراعة تضررت في اليمن وأصبحنا دولة أو شعب يستورد قوته من الخارج.

إن الأراضي التي هي الآن "اليمن الحديث" كانت تعرف في عهد الرومان بالعربية السعيدة ليس بسبب آثار القات المخدر، بل نظراً لثروات المنطقة بما في ذلك المياه، وخبرة الزراعة وتقنية أساليب الري.. فالخبراء يحذرون اليوم من أن صنعاء يمكن أن تكون أول مدينة في العالم في نفاذ المياه والواضح أن القات جزء من هذه المشكلة.

يبدو أن الرئيس علي عبدالله صالح تجنب القات منذ سنوات، بل وهناك جهود رسمية في تشجيع الشعب على أن يحذو حذوه.

إن الدعم الحكومي للوقود مستمر ولا تزال الحكومة تعمل على تخفيض كلفته الحقيقية لضخ المياه إلى حقول القات، وأصبح بائعو القات اللاعبين الأقوياء في امتلاكه في اليمن، فمن غير الواضح ما إذا كانت الحكومة تقدر على السيطرة على هذه الظاهرة أم لا وحتى إذا أرادت ذلك هل تقدر؟!!
حتى إن هؤلاء الناس المولعون به يمضغونه ويدردشون ويحلمون أثناء مضغهم.. فهل هو هوس جماعي أم إدمان جماعي؟!! أم مجرد واحدة من متع الحياة التي لا يمكن أن تزول؟!!

المصدر /راديو كندا الدولي

بقلم / مارجريت ايفان
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 02-ديسمبر-2024 الساعة: 03:29 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/59310.htm