سينما لمراجعة الذات تغلب الأفلام السينمائية التي تغطي أحداث قديمة وخاصة الأعوام التي تتعلق بالرقم ثمانية سواء في عام 48 أو عام 68 من القرن الماضي على كثير من المنتج السينمائي هذه السنة في فرنسا والعالم. ويرتبط عام 48 بوجود إسرائيل وبالحرب العالمية الثانية وبانقسام العالم الى ما يسمى بالعالم الحر والعالم الحديدي. أما عام 68 فهو ذلك العام الذي شهد ثورة الطلبة، وارتبط بعدد هائل من حركات الشباب المطالبة بالتغيير والرفض للحروب وخاصة حرب فيتنام. وقد صاحب هذه الحركة عددكبير من الصيحات الفنية والفكرية وكانت حركة الهيبيين، وأغاني فريق البيتلز أشهر مدرستين للفكر والفن في تلك الفترة. ولأننا في عام 2008 فإن تذكر ماحدث قبل أربعين عاماً هو نوع من مراجعة الواقع اليوم. كان طلبة الثانوية والجامعات هم قوة الستينات في معظم مناطق العالم الحر. وكانت صيحاتهم في البداية عبارة عن غضب كامن يبحث له عن مخرج. وسرعان ما تحول الهياج الى براكين غضب خرجت الى الشوارع واقتلعت الأحجار ورمت النوافذ. ثم شيئا فشيئا تحول الغضب الى فكر ونظريات ومحاولات تفسير وبحث عن معنى. في نفس الوقت الذي استجابت فيه الأحزاب إلى نبض الشباب فانطلقت تبحث عن مشاريع قوانين ومحاولات رسم نظام سياسي يستجيب لاحتياجات الناس، فيقترب من بعض حسنات المجتمع الاشتراكي ويتجنب عنفوان وقسوة الأنظمة الرأسمالية في تعامها مع الطبقات العاملة. اليوم تستعيد الذاكرة العالمية تلك المرحلة عبر أفلام تحاول الفهم وتخرج عن نمط الأيدلوجية لتتمسك بلحظات جميلة أو نغمات متميزة أو ثورية مثالية. جيفارا وستالين: في فيلم عن جيفارا ينبعث الثوري المثالي لزمن حلم تحرير الفقراء وكأن الزمن يستعيد ثورة العبيد في الامبراطورية الرومانية المفرطة في العنفوان والجبروت. حنين إلى الماضي فيه حكاية لم تعد عملية استرجاعها محرمة في الأوساط الرأسمالية بل صارت جزءاً من زخرفة الثقافة المرفهة التي تشي بالسمو عن الوقوع في مخالب فكر الرفض لفكر الآخر حتى لو كان ذات يوم يحارب ضدك. وفي فيلم عن الفن في زمن ستالين أسمه "جوار شارع الغروب" يصبح الابداع رهينا بالإرادة السياسية ويموت ضحية الدعاية والاستخدام المفرط في الترويج لأيدلوجيا الدولة وخداع الجماهير. المراجعة السينمائية للعنف الذي خلقته الدولة السوفيتية تقوم على النقد الحاد والرفض المنمط للنظام الذي ساد ما يقرب من القرن. أما الثورية المثالية في أحراش أمريكا اللاتينية وعنف حرب العصابات التي سادت في المنطقة في فترة جيفارا فيتم تقديمها على نحو رومانسي وعاطفي يلائم حملة المبيعات الهائلة التي تنتجها المؤسسة الرأسمالية اليوم من كتب وقبعات وأقلام ورسومات وفانلات وقطع مختلفة تتشح بقبعة جيفارا وملامح ذقنه الكثة وعينيه اللامعتين. صار زمنه ينبوع لا ينضب للبيع والشراء من فكرة قامت على مساندة المحرومين والمحتاجين من أبناء هذه الأرض لتتحول الى موضة وزخارف ومبيعات بالملايين لزمن لم يعد منه خشية أو قلقاً وإنما هو أيقونة مبيعات في زمن العولمة. سينما القضية الضائعة: هذه المرة في كان ومهرجانها السنوي كان الحضور العربي الإسرائيلي مختلفا. ففي فيلم مختلط مولته رؤوس أموال عربية وإسرائيلية، تظهر نساء العرب مقهورات ونساء إسرائيل مخدوعات وهن يحاولن دون جدوى أن يقاومن واقع الفصل بينهن وبين شعبيهن. وكأن ما فعله الرجال في خلق الصراع العربي الإسرائيلي منذ ستين عاما قد تملك النساء طريقة لمقاومته ورفضه كجزء من مقاومتهن للضغوط التي يمارسها الرجال عليهن. الفيلم لا يقدم باسم دولة بل باسم شركات متعددة، ولا يقدم بلغة واحدة بل بثلاث لغات هي العربية والعبرية والانجليزية. إنه تسويق جديد لفكرة السلام في المنطقة. في نفس الوقت يظهر فيلم آخر عن الضرب الإسرائيلي لبنان، اسمه "تحت القنابل" يصور رحلة عودة للبنانية مع سائق يقبل بالمبلغ الكبير من المال ان يتوجه بها الى جنوب لبنان حيث تقصف اسرائيل الشعب اللبناني في الجنوب. فيذكر الفيلم أن الوجود الإسرائيلي هو واقع من القنابل تسكت كل أصوات السلام. والذاكرة منذ عام 48 وحتى اليوم لا تزال تعيش استمرارية واقع وليس حالة استرجاع وتذكر. [email protected] *الثورة |