قضية الصراري وحلفاء الغفلة(4) ثمَّة نفير صاخب صدَّع به رؤوسنا شيوخ وملالي ونواب وخطباء حزب ((الإصلاح)) وَمنْ وَالاهُمْ ، سواء أثناء التحضيرات لمهرجان عدن الفني الأول في فبراير الماضي، أو عند إحالة مشاريع تعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة من قبل الحكومة إلى مجلس النواب في مارس الماضي أيضا . بوسع الذين تابعوا هذا النفير سواء من خلال الفتاوى أو خطب الجمعة أو الندوات أو المقالات التي نُشرت في صحف حزب ((الإصلاح)) واخواتها ، ملاحظة مدى هشاشة وسطحية خطاب التحريم الذي يجري تسويقه علينا بأسلوب أوامري يستوجب الطاعة فقط ، ويرفض النقاش والنقد، وهو ما يدحض مزاعم القيادي الاشتراكي علي محمد عبده ( الشرماني الصراري ) الذي لم يكتفِ بالتهافت على مروجي خطاب التحريم والسعي لتجميل وتلميع صورتهم، بل أنّّه أفرط في تهافته إلى حد الزعم بأنّ حزب ((الإصلاح) الذي يقود حملات التحريم ضد الغناء والموسيقى ومساواة دية القتيلة بالقتيل ، وإلى جانبه حليفه الأطرش الأبكم ((الحزب الاشتراكي اليمني)) الذي يلتزم الصمت والصنج إزاء هذه الحملات الظلامية ، هما الحزبان الوحيدان اللذان يعول عليها لبناء دولة مدنية حديثة بحسب قول الصراري في صحيفة ( الثوري ) !! المثير للدهشة أنّ الذين تبنوا حملة تسويق خطاب التحريم المناهض للغناء والموسيقى، استندوا إلى آراء فقهية تندرج ضمن أسوأ ما ورثناه في كتب التراث القديمة ، ولا تجد لها أساساً في القرآن أو السنة النبوية الصحيحة.. ناهيك عن أن هذه الآراء المتخلفة تعرضت للنقد والخلاف من قبل مشاهير الفقهاء الأسلاف والمعاصرين بدءاً بأبي حامد الغزالي ومروراً بابن حزم والفارابي وابن رشيق والجاحظ وابي اسحاق الموصلي وانتهاءً بشيخ الأزهر الدكتور محمد طنطاوي والدكتور يوسف القرضاوي ، بما في ذلك الأحاديث التي نسبها الوضّاعون إلى رسول الله ، وجميعها كما وصفها ابو حامد الغزالي وابن حزم والقرضاوي مثخنة بالجراح، لم يسلم منها حديث من طعن فقهاء الحديث وعلمائه ، مع الأخذ بعين الاعتبار، أنّ ما ينطبق على حملة تحريم الغُناء والموسيقى التي قادها شيوخ وملالي حزب ((الإصلاح)) وجامعة الإيمان، ينطبق أيضاً على الحملة المسعورة التي يشنها هؤلاء على مشاريع التعديلات التي تقدّمت بها الحكومة للقوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة وبضمنها مساواة دية القتيلة بالقتيل تنفيذا للبرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية الذي حاز على ثقة الأغلبية الساحقة من الناخبين في الانتخابات الرئاسية لعام 2006م ، وهو ما سنأتي إليه في العدد القادم بإذن الله . لعل أطرف وأغرب ما قرأته في النفير المعادي لمهرجان عدن الفني الأول جاء على لسان الشيخ محمد الحزمي الخطيب والنائب عن حزب ((الإصلاح)) الذي هاجم المهرجان وأسرف في تحريم الغناء والموسيقى بعبارات لا تخلو من النقل النصّي التبسيطي عن الكتب الفقهية القديمة، ثمّ تساءل عما قدمته الأغنية خلال سبعين عاماً!! والثابت أنّ الحزمي لم يكن عفوياً عندما حدد فترة السبعين عاماً، لأنّه كان يقصد بكل وضوح المسافة الفاصلة بين الحملة التي شنها النظام الإمامي الكهنوتي في الأربعينيات ضد الغناء والموسيقى والمشانق التي نصبها في باب السياح بصنعاء القديمة للآلات الموسيقية استناداً إلى فتاوى أصدرها آنذاك كهنة النظام الإمامي البائد، وبين محاولة إحياء تلك الفتاوى على أيدي كهنة وشيوخ وملالي حزب ((الإصلاح)) بعد سبعين عاما من فشلها في سياق النفير المعادي لمهرجان عدن الفني الأول الذي أحيته الفنانة السورية الكبيرة ((أصالة)) والفنان المصري عصام كاريكا وفرقتاهما الموسيقيتان الشهيرتان. الإجابة على سؤال الخطيب والنائب ( الاصلاحي ) محمد الحزمي واضحة وقوية .. فقد قدّمت لنا الأغنية اليمنية الكثير مما يستحق الفخر والاعتزاز به ، خلال السبعين عاماً الماضية بدءا بالأغاني التي أسهمت في تعميق الوعي الوطني الوحدوي، وتعظيم زحم الكفاح الشعبي ضد الاستبداد والاستعمار ومن أجل الحرية والديمقراطية والتقدم والوحدة ، وانتهاء بالأغاني التي أسهمت في بناء الوجدان الاجتماعي وتعميق قيم الحب والوفاء للوطن والثورة والإنسان والأم والعائلة والعمل . ربما لا يهم الحزمي وغيره من شيوخ وملالي وخطباء حزب ((الإصلاح)) ماذا يعني أن تقدِّم لنا الأغنية االيمنية خلال سبعين عاماً تراثاً زاخراً بالعطاء والابداع والتميز من موسيقى الدان الى موسيقى البالة، ومن الايقاع الصنعاني والتهامي الى الايقاع اللحجي والحضرمي و اليافعي. ربما لا يهمه ماذا يعني أن تقدم لنا الأغنية اليمنية خلال سبعين عاماً رصيداً فنياً رائعاً يعتز به شعبنا مثل أغنية جيشنا يا ياجيشنا .. ويا قافلة عاد المراحل طوال وأنا الشعب وبرع يا استعمار ويا عيباه .. وحبوب لا تغضب، ويا جانيات العناقيد.. ومن كل قلبي أحبك يا بلادي.. وعن ساكني صنعاء حديثك هات يا فوج النسيج .. وعدن عدن يا ريت عدن مسير يوم.. ويا رب من له حبيب لا تحرمه من حبيبه.. وارجع لحولك كما دعك تسقيه ، ودعوة الأوطان ، وأحبة ربى صنعاء ، وبا نلتقي في سعاد ، وغيرها من الأغاني التي تقدم أروع صور التوحد بين الإنسان والأرض . وربما لا يهم الشيخ الحزمي وأمثاله من شيوخ وملالي وخطباء حزب ((الإصلاح)) ماذا يعني أن تقدم لنا الأغنية اليمنية رصيداً غنائيا وموسيقيا إبداعياً رائعاً صاغته أنغام وحناجر مشاهير الغناء والموسيقى في اليمن ، أمثال الموسيقار الراحل أحمد بن قاسم ومحمد مرشد ناجي وعلي السمة، وأحمد السنيدار وفرسان خليفة وأبوبكر سالم بلفقيه ومحمد محسن عطروش وأحمد بن غوذل وأيوب طارش وصباح منصر وأمل كعدل والأخفش وغيرهم، بالإضافة إلى شعراء الأغنية أمثال محمد عبده غانم ومحمد سعيد جرادة ولطفي أمان ومطهر الإرياني وأحمد عبدالوهاب الفضول وعباس الديلمي وغيرهم من عمالقة الغناء والموسيقى والشعر الغنائي في اليمن. من حق الشيخ الحزمي والذين على شاكلته من شيوخ ملالي حزب ((الإصلاح)) أن يستهينوا بكل ما قدمته الأغنية اليمنية خلال سبعين عاماً.. ومن حق الأستاذ محمد قحطان أن يصدر فرماناً يفضي بأنّه ليس من واجب أي حزبٍ سياسي أن تحدد موقفاً من تحريم أو تحليل الغناء والموسيقى.. ومن حق الزميل والصديق المعتدل والمستنير نبيل الصوفي أن يطالب فقهاء وملالي حزيه بمراعاة ما أسماه ( فقه الأولويات ) ، وعدم الاستعجال في حرق المراحل و كشف المستور !! ولكن من حقنا أن ندافع عن تراثنا الغنائي والموسيقي، وأنْ نعتز برواد الغناء والموسيقى في اليمن.. وأن نتساءل عن مصير هذا التراث الرائع وهؤلاء الرواد العظام في حال وصول حزب ((الإصلاح)) إلى السلطة بما ينطوي عليه مشروعه السياسي والثقافي من مخاطر تهدد حق المجتمع في الغناء والاستمتاع بالموسيقى والفرح الإنساني، بما في ذلك المخاطر التي تنطوي عليها تصريحات محمد قحطان الذي يدعو إلى منع الأحزاب السياسية من تناول قضايا الغناء والموسيقى في برامجهم الانتخابية بذريعة أنّه لا يحق لهم القول بأنّ الغناء حرام أم حلال؟.. حيث من يحق لهم ذلك هم شيوخ وملالي الإسلام السياسي لا غير . المثير للدهشة أنّ النفير المعادي لمهرجان عدن الفني احتوى على غثاء كثير مما أسماه شيوخ وملالي حزب ((الإصلاح)) أدلة شرعية على تحريم الغناء والموسيقى.. وقد تمحورت جميع ((أدلتهم)) البائسة حول آراء فقهية لا تعدو أن تكون سوى روايات منقولة عن فلان وفلان، وأحاديث موضوعة تعرضت جميعها وبدون استثناء للطعن والتجريح، وآراء فقهية تقوم على تفسير بعض آيات القرآن من قبل بعض الفقهاء الذين عملوا على تحويل آرائهم وفهمهم لتلك الآيات إلى أحكام غير قابلة للخلاف أو النقاش، وهو ما دفع معظم الفقهاء الذين يخالفونهم في تلك الآراء ، إلى القول بأنّه لا يجوز استخراج أي حكم من نص قرآني إلا إذا جاء صريحاً بصورة لا تقبل التأويل.. لأنّه إذا قبلنا التأويل ظهر الاحتمال، وإذا ظهر الاحتمال بطل الاستنباط والاستدلال. والثابت أنّ الفقهاء الأسلاف والمعاصرين اختلفوا حول تحريم الغناء والموسيقى ولم يحدث إجماع على الإطلاق بهذا الشأن أو بغيره من الشؤون، لأنّ القول بالإجماع يعد أكبر كذبة في التاريخ. ومما له دلالة عميقة أنْ يتمحور الخطاب المناهض للموسيقى والغناء حول آراء فقهية تواترت خلال عصر الانحطاط الذي جاء عقب أفول شمس الحضارة الإسلامية في أواخر القرن الخامس الهجري الذي شهد في مطلعه ظهور أكثر الآراء الفقهية تشدداً وانغلاقاً على يد الإمام أبو حامد الغزالي ، بيد أنّ فقه الغزالي على تشدده وتزمته وإنغلاقه لم يذهب الى تحريم الغناء والموسيقى على نحوٍ ما حدث على أيدي الفقهاء المتأخرين الذين تزامن ظهورهم مع تزايد انقطاع العالم الإسلامي عن المساهمة في صنع الحضارة، حيث ذهب فقهاء التحريم الى القول بأنّ الغزالي لم يكن يعرف علم الحديث الذي كان غائباً في فترة صعود الحضارة الإسلامية !! لا نبالغ حين نقول إنّ سيل أدلة التحريم الذي انطوى عليه نفير الخطاب السياسي لشيوخ وملالي حزب ((الإصلاح)) بشأن تحريم الغناء والموسيقى كان أشبه بالغثاء، لجهة هشاشة الاستدلالات التي تمّ اقتطاعها من بطون أسوأ ما ورثناه في تراثنا الفقهي القديم، وهو ما يمكن الرد عليه بآراء فقهية قديمة أيضاً لمشاهير الفقهاء والفلاسفة الأسلاف الذين لم يتعاملوا مع الموسيقى كأنغام بل كعلم وصناعة للألحان على نحو ما جاء في العقد الفريد لابن عبدربه، أو صناعة الإيقاع بحسب ما أورده الإمام السيوطي في (المزهر)، أو تأليف اللحون كما هو مبين في كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ حيث قدم جميع هؤلاء الفقهاء والفلاسفة تعريفا للموسيقى يقول بأنها صناعة في تأليف النغم والأصوات ومناسباتها وإيقاعاته وما يدخل منها في الجنس الموزون والمؤتلف بالكمية والكيفية .. فيما أوضح أبو نصر الفارابي في ( كتاب الموسيقى الكبير ) أنّ الموسيقى والشعر يرجعان إلى جنس واحد هو التأليف و الوزن والمناسبة بين الحركة والسكون، مشيراً إلى أن الموسيقى والشعر صناعة تنطق بالاجناس الموزونة ، كما أن الفرق بينهما يتحدد في اختصاص الشعر بترتيب معاني الكلام في على نظم موزون مع مراعاة قواعد النحو والصرف واللغة، وأما الموسيقى فهي تختص بمزاحفة أجزاء الكلام الموزون وإرسال أصوات على نسب مؤتلفة بالكم والكيف في طرائق تتحكم بالتلحين. في هذا السياق تحدث الكثير من الفقهاء والفلاسفة والشعراء العرب عن الارتباط الوثيق بين الشعر والموسيقى والغناء أمثال ابن رشيق في (العمدة) والمزرياني وأبو إسحاق الموصلي في (الموشح).. وبوسع كل من يطالع هذه المؤلفات ملاحظة أنّ كلمات مثل (الترنم والترنيم والترتيل والترجيع والتغني والدندنة بما في ذلك الصنج والمزهر والقينة وغيرها من المفردات الغنائية الاصطلاحية وأسماء الآلات الموسيقية ، لم تكن غريبة عن صناعة الشعر العربي منذ أقدم العصور، بل يمكن القول إنّ هذه المفردات كانت من صميم عمل الشعر العربي، لجهة الروابط بينها وبين أوزان الشعر، وهي روابط يتجسد فيها تركيب الأصوات وتلحينها وأداؤها في صورة جميلة تفسر قول أبي نصر الفارابي بأنّ ((الصناعة الشعرية هي قوام الهيئة الموسيقية وأنّ غاية هذه أن تطلب لغاية تلك)) ، راجع (كتاب الموسيقى الكبير 3 / 1093). لا تخلو كتب الفقهاء الأسلاف الذين عارضو تحريم الغناء والموسيقى من الاشارة الى أن حب الغناء والطرب للصوت الجميل يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية، حيث اشار معظمهم الى أن الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه إلي الإصغاء إليه ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات على الغناء للأطفال منذ زمن قديم، فيما ذهبت أحدث الدراسات والأبحاث العلمية الى التأكيد على أن الموسيقى تنمي الذكاء عند الأطفال . بل أن الأصفهاني قال في كتاب ( الأغاني ) إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة فيما قال الغزالي في كتاب ( إحياء علوم الدين ) : (من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور وجميع البهائم، إذ الجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرًا يستخف معه الأحمال الثقيلة، ويستقصر - لقوة نشاطه في سماعه المسافات الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه. فترى الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها، وتصغي إليه ناصبة آذانها، وتسرع في سيرها، حتي تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها) .. فهل يعقل أن يحرم الله ما فيه فائدة للانسان والحيوان الذي يخدم الانسان ؟!! ويبقى القول أن الغناء بوصفه غريزة وفطرة يثير سؤالا مشروعا عما إذا كان الدين بحسب دعاة التحريم قد جاء لمحاربة الغرائز والفطر والتنكيل بها ؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك من يرد على ذلك بالنفي القاطع إنطلاقا من حقيقة أن الدين جاء لتهذيب الغرائز والسمو بها، وتوجيهها التوجيه القويم بحسب قول الإمام ابن تيمية )إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها ). ومصداق ذلك أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية: فقال عليه السلام: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحي ويوم الفطر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي. في جزءٍ سابقٍ من هذا المقال أوضحت الطابع الحزبي والسياسي لآراء ووجهات نظر ملالي وشيوخ حزب ((الإصلاح)) الذين يمارسون السياسة والعمل الحزبي بامتياز، وأنكرت عليهم إصرارهم على إلزام الآخرين بالخضوع لأهوائهم ووجهات نظرهم الحزبية والسياسية، بذريعة أنّ ما يصدر عنهم هو أحكام الدين، وأنّ ما يجب على غيرهم هو الطاعة والالتزام بتنفيذ أوامرهم ونواهيهم لأنّهم يتحدثون باسم الله ورسول الله وحراس للدين والأخلاق في الدنيا. إنني أتفهم الدوافع السياسية والحزبية لشيوخ وخطباء وملالي حزب ((الإصلاح)) لجهة حبهم لحزبهم وحرصهم على تمكينه من الوصول إلى السلطة ومنع الحزب الحاكم وحكومته من تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية بما هو مرشح حزب الأغلبية الذي فاز بأغلبية أصوات الناخبين، بما ينطوي عليه هذا البرنامج من مهام واضحة تؤكد على حماية التراث الغنائي والموسيقي ورعاية الفنانين والموسيقيين .. لكنني لا أتفهم ولا أقبل التدليس والتلييس الذي يلجأ إليه الخطاب السياسي لشيوخ وملالي حزب ((الإصلاح)) في سعيه لإقحام الدين في المعركة التي يخوضها حزبهم من أجل منع أو عرقلة تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية بذرائع التحريم والتكفير. ليقل هؤلاء ما يشاؤون لإقناع أنفسهم وأتباعهم بأنّ الغناء والموسيقى والتصوير والفنون حرام وكفر بواح على غرار ما كانت تدعو إليه حركة ((طالبان)) بعد وصولها إلى الحكم في أفغانستان.. وليقل هؤلاء أيضا أن ما تفعله كافة الحكومات العربية والإسلامية وحكومة المؤتمر الشعبي العام في اليمن هو كفر بواح عندما لا تمنع الناس من الاستمتاع بالغناء والموسيقى، ولا تغلق التلفزيون والمسارح ودور السينما ولا تحطم الآلات الموسيقية ولاتطارد الفنانين والمشتغلين في مجال الغناء والموسيقى، ولا تغلق أو تحرق محلات التسجيلات الغنائية والموسيقية !! من حقهم أن يقولوا ما يشاؤون .. وأنْ يعتقدوا بما يشاؤون .. وأنْ يعيشوا حياة الجاهلية الأولى والقرون السحيقة.. لكن ليس من حقهم إجبارنا على الاعتقاد بأفكارهم وآرائهم المنغلقة.. وممارسة نمط الحياة ( الطالبانية ) التي يدعون اليها ، وإنكار حقيقة أنّ الموسيقى والغناء أسمى الفنون وأكثرها التصاقاً بآيات الله على نحو ما قاله البروفيسور محمد الشرفي في حوار نشرته صحيفة ((22 مايو)) في عددها الصادر يوم 19 / 2 / 2004م عندما استشهد بالفارابي الذي وصف الموسيقى بأنها أشرف صنوف الفلسفة ، مشيراً إلى أنّ شرف الموسيقى يعود إلى سببين أولهما أنّ الموسيقى صوت، والصوت ظاهرة لازمة ونتيجة حتمية لا تنفك عن الحركة، فكل حركة صغرت أو كبرت لها بالضرورة صوت، والصوت يأتي ظاهراً عالياً، والموسيقى هي الصوت.. وهي الحركة بمعنى أصل الوجود.. أما السبب الثاني لفضل الموسيقى وشرفها فهي أنّها تدرك حاسة السمع، وحاسة السمع تعتبر أهم الحواس وأشرفها وأنقاها وأدقها وأقواها وأقدرها إدراكاً لذبذبات الحركات الصادرة، موضحاً أنّ العلم الحديث قدم تعريفاً للفن كمصطلح إبداعي بوصفه التعبير الراقي عن حياة الفكر وحياة الشعور في آنٍ واحدٍ وأجمل أنواع الفنون كما يلي : 1 الفنون السماعية : وهي التعبير عن الحركة وأهمها الموسيقى وما يتفرع منها من ألحان طبيعية وصوت جميل وآلات عزف مصنوعة، ونصوص أدبية وشعرية ونثرية وغناء. 2 الفنون المرئية الموسومة كالخط والرسم والتصوير وفنونه المختلفة. 3 الفنون التمثيلية كالرقص والدراما والكوميديا والمسرح والسينما والتلفزيون. 4 الفنون التجسيمية كالنحت. وتبعاً لذلك يرى الشرفي أنّ الكون يتجه إلى الله تعالى خالق الإنسان والكون، حيث صار من العلم الراسخ أنّ دماغ الإنسان يحتوي على مائة مليار خلية عصبية وعشرة أضعاف ذلك من الخلايا الجدارية. وبحسب البروفيسور الشرفي فإنّ علماء الكونيات والفيزياء يرون بأنّ الكون يحتوي على مائة مليار نجم، وكأنّما كل ذرة في الكون تتمثل في دماغ الإنسان، وأنّ الكون كله يسير بموسيقى حركية متناغمة الإيقاعات مع النشاط الحيوي الإنساني وهو يتجه قاصداً غاية واحدة أسموها (فيزياء الخلود) التي وصفها العلماء المعاصرون بأنّها أروع تجسيد للتلازم بين الفن والعلم وما ينطويان عليه من طاقة عقلية معرفية وطاقة شعورية.. وهو ما دفع البروفيسور الراحل محمد الشرفي إلى القول، بأن الموسيقار صاحب قدرة استشعارية وحدسية تسبق مجتمعة ، وان الناس يتعلمون العلم ويمارسون أفانين الفنون بما فيها فنون الغناء والموسيقى ويوجهونهاا لكي يستعينوا بكل ذلك على تنغيم حياتهما مع البيئة التي يعيشون فيها .. فالعلم عند الشرفي علمان.. علم الدين وعلم الظواهر المادية الطبيعية.. والدين عنده هو آيات الله التدوينية كما جاء في قرآنه الكريم.. وآيات الآفاق والأرض هي آيات الله التكوينية .. وهي علم الظاهر، أما الإنسان فهو آية الله التبيينية، وهو علم الباطن، وهو قارئ ومقروء.. ((وفي أنفسكم أفلا تبصرون)) ..وهو الذي يتجه الى الله الذي خلق له حاسة الذوق والشم وهما حاستان كيميائيتان ، ثم خلق له السمع وهو لمس ذبذبات الأمواج الصوتية الصادرة عن الحركات الى طبلة الأذن وتحويلها الى موجات كهربائية تسري في الأعصاب فتدخل المراكز الدماغية المتخصصة وتدركها . ثم خلق له النظر وهو الحاسة الارقى التي تنطوي على لمس متخصص للاشعة الشبكية الضوئية عبر العين ، وكل ذلك يتم في تناغم وايقاعات موسيقى الأعصاب وذبذباتها الكهروكيماوية التي يريد خطاب التحريم حرماننا منها .. وكل ذلك ينبغي أن نفهمه بحسب البروفيسور محمد الشرفي في إطار تناغم إيقاعات حركات موسيقية علوية، فكل الكون لانشارفيه أصلاً، لأنّه مظهر لقدرة الله تبارك وتعالى.. ويا سبحان الله الخالق البديع . |