اليمن تنشر سلاحاً جديداً لمحاربة القاعدة فيما تساعد القوات الأمريكية في تدريب قوات يمنية خاصة في مكافحة الإرهاب، هنالك عالم دين يتحدث عن نجاحه إقناع الإرهابيين بأن يتخلوا عن العنف. وتجري في الجبال الحجرية -رمادية اللون في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية- تدريبات سرية؛ حيث تقوم مجموعة صغيرة من القوات الأميركية المتخصصة على تدريب جنود يمنيين في كيفية محاربة الإرهابيين. وبارتداء لثام على الوجه ونظارات واقية يندفع الجنود اليمنيون إلى كوخ خشبي في عملية تدريبية على اعتقال مشتبهين من تنظيم القاعدة. وكون التعاون العسكري بين اليمن وأميركا تعتبر قضية حاسة لأن أميركا حليف قوي لإسرائيل التي تعتبر عدوا للأمة الإسلامية فإن بعض اليمنيين هنا يعتقدون من هذا المنطلق بأن أمريكا عدو أيضا. وقد أجبرت اليمن على لعب دور هام في محاربة الإرهاب نتيجة للضغوط التي تمارس عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لكن الحكومة اليمنية تواجه الحقيقة التي تؤكد بأن الجماعات المتصلة بتنظيم القاعدة أصبحت تمثل نشاطاً خطيراً في هذه المنطقة النائية في الشرق الأوسط، والتي تسودها القبلية. وفي الأسبوع الماضي فقد ظهرت جماعة مكونة من (20) متشدداً كانوا يتآمرون على نسف مبنى السفارة البريطانية في العاصمة اليمنية صنعاء. وتزعم تلك الجماعة أنها تلقت أوامر من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي يختبئ في منطقة حدودية بين باكستان وإيران، حيث قام المتشددون بعدد من الجولات الدورية حول مبنى السفارة تعتقده بأنه نقاط ضعف لاقتحام السفارة. ومثلما حدث مؤخرا في مبنى القنصلية البريطانية في اسطنبول والتي دمرت بواسطة شاحنة ممتلئة بالمتفجرات، كان المتشددون يخططون لنسف مبنى السفارة البريطانية في صنعاء. والتي تعتبر من المباني القديمة الواقعة بجانب شارع رئيسي مزدحم، ولهذا السبب فإن عملية تفجيرها بواسطة شاحنة أمر سهل. ويقول مسئولون أمنيون قاموا باستجواب أولئك المتآمرين في التخطيط لتفجير مبنى السفارة، بأنهم استنتجوا بأن أولئك المتشددين كانوا ينوون استخدام صواريخ وقنابل يدوية من أجل تفجير البوابة الرئيسية للسفارة ومن ثم قيادة الشاحنة المحملة بالمتفجرات لتنفجر بعنف داخل مبنى السفارة. وكما يعتقد مسئولون، فإن سفارة غربية ثانية ستُضرب في نفس الوقت الذي ستضرب فيه السفارة البريطانية. وقد استجابت السفارة البريطانية سريعاً لتلك التهديدات، حيث قامت بتشييد جواجز أسمنتية كبيرة مرتبطة بسلسلة كبيرة من الحديد أمام السفارة من أجل سد بوابة السفارة وإعاقة حركة الشاحنة المليئة بالمتفجرات. ولهذا السبب قامت السلطات اليمنية -من جهتها- بزيادة قوات الأمن خارج مبنى السفارة، حيث وحشدت سيارات عسكرية إضافية مجهزة بأسلحة رشاشة صدئة روسية الصنع، حشد الكثير من رجال الشرطة في حمل تمويهي للأسلحة الأتوماتيكية. وتقوم السلطات اليمنية بتبني عملية ثنائية في مكافحة الإرهاب، حيث تتعلم قواتها الأمنية مهارات عسكرية جديدة من المدربين الأميركيين بينما تقوم أيضا، في نفس الوقت، بمحاولة إعادة استمالة واسترضاء المتشددين الذين تعهدوا بالتخلي عن العنف. وخلال شهر رمضان المبارك، أفرجت السلطات اليمنية عن عشرات المعتقلين المتهمين بتعاطفهم مع تنظيم القاعدة من ؛حسب توجيهات الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، بحجة أنهم أصبحوا تائبين ونادمين. وقالت الحكومة اليمنية، بأن الذين لطخوا أيديهم بالدماء، لكن الكثير منهم كان ممن قضى العديد من السنوات في معسكرات تنظيم القاعدة يتدرب على الهجوم ضد الغربيين وطردهم خارج البلاد. وينظر المتشددون إلى أنفسهم على أنهم أتقياء وتلك هي حجتهم الرئيسية في النصوص الإسلامية التي يتمسكون بها. وبدلاً من تركهم في السجون مدة طويلة قرر الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أن يتحدى إيمانهم عن طريق إدخالهم في مناظرة دينية مع المعتدلين. ولهذا قام الرئيس اليمني بتعيين رجل دين إسلامي يدعى القاضي حمود الهتار، وكلفه بأن يدخل إلى السجون ويتناقش مع الرجال المعتقلين مستخدماً معرفته وسعة علمه الفكرية بالإسلام لكي يعمل على إقناعهم. وتلك مهمة سهلة على الإطلاق. فالقاضي –المعتدل- واجه الرفض والإهانات وادعوا بأنه خائن وأداة بيد الحكومة، وتلقى تهديدات بالقتل. وقد ترأس لجنة من خمسة أعضاء، وبعد مثابرة دامت شهور عديدة خرج القاضي حمود الهتار بقرار نهائي أن حوالي (100) رجل من المعتقلين أصبحوا جاهزين لإطلاق سراحهم، مقتنعين بأنهم نظروا إلى مكامن الخطأ في طريقهم. والآن يعتقد بأن (90%) من أعضاء تنظيم القاعدة أصبحوا متفهمين في اليمن. وقال القاضي الهتار: "الناس الذين قمت بمناقشتهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مسلمين ورعين أتقياء وأعتقد بأنهم مخلصون عندما يقولون ذلك، إنهم يقفون ضد العنف والقتل". وقامت وزارة الخارجية البريطانية بدعوة القاضي حمود الهتار إلى لندن من أجل أن يساهم بإشراك خبرته مع مسئولين بريطانيين متخصصين في مكافحة الإرهاب. أما الأميركيون فقد رحبوا بقرار إطلاق المتشددين من السجون اليمنية، ولو أنه ما تزال تلحق بهم بعضٌ من الشكوك. أما السفارة البريطانية -من جهتها- فقد أشارت إلى أن البعض من أولئك المتورطين في تفجير المدمرة الأميركية كول في عام 2000 كانوا قد اعتقلوا من قبل والآن أفرج عنهم. ولأن السلطات اليمنية ما زالت تثابر لاجتثاث الإرهاب من أراضيها، فإنها الآن يبدو أنها تحصد ثمرات البرنامج الذي تبنته. وفي ليلة 25 نوفمبر اعتقلت قوات الأمن اليمنية محمد الأهدل المشتبه بانتمائه لتنظيم القاعدة وأكثر المطلوبين بتهمة توجيه الأموال إلى نشطاء إرهابيين بعد أن تلقت معلومات استخباراتية عن مكان وجوده. وكان الأهدل متواجداً في حفلة زواجه في صنعاء عندما داهمته قوات مكافحة الإرهاب، وطوقت المنزل الذي كان يتواجد فيه. حيث قام أحد المتفاوضين وطُلب منه أن يخرج إلى خارج المنزل، والآن يخضع الأهدل لاستجواب مكثف من قبل أجهزة الأمن في العاصمة اليمنية صنعاء. وتقول السلطات الأمنية بأن الأهدل قد كشف عن ثورة من المعلومات الحيوية عن نشطاء في تنظيم القاعدة، مشتملة على معلومات في الماضي والحاضر والمستقبل. وتلك المعلومات –ربما- ترضي نوعاً ما الحكومة اليمنية، إلاّ أن كل موظفي السفارة البريطانية لا يزالون متيقظين. ولم يعد يُسمع عن هجمات تستهدف سياح أجانب، كما أن حالات الاختطاف توقفت وأصبحت اليمن بشكل عام بلداً آمناً يمكن زيارته أكثر من السنوات الماضية، في الوقت الذي تقول فيه السفيرة البريطانية في صنعاء "فرانسيس جاي" نحن مدركون أننا ما زلنا هدفاً رئيسياً هنا في اليمن. ورحبت كل من الحكومة البريطانية وواشنطن بتقدم اليمن في عمليات مكافحة الإرهاب، لكن نفوذ القاعدة يضرب بجذوره هنا، ولا زالت هنالك شكوك قليلة من أنه سيحاول الضرب من جديد. بقلم: فرانك غارد – مراسل هيئة الإذاعة البريطانية لشؤون الأمن. دايلي تلجراف، ترجمة محمد العزكي- سبأ- |