المؤتمر نت -
ديانا مقلد -
زلات قاتلة
كان يوماً مجنوناً دامياً..

اندلعت جبهات متعددة في المثلث العراقي الفلسطيني اللبناني أنذرت بتدهور خطير في الأوضاع. وقعت القنوات الفضائية والأرضية الخميس الماضي في حيرة، وبدا السؤال المهني ملحاً:

علامِِِِِ ينبغي التركيز في التغطية؟

تفجير سامراء والاشتعال الجديد للاقتتال الأهلي في العراق!

أم أحداث غزة وتصاعد الاحتراب الفلسطيني الداخلي على نحو غير مسبوق وصل إلى حدّ اعتبار ما يجري بمثابة تحرير!

أم الحدث المسائي وهو تفجير في بيروت أودى بحياة النائب عن تيار المستقبل وليد عيدو وعدد من المواطنين في حدث تصعيدي من حيث توقيت ومكان التفجير والشخصية المستهدفة!

أحداث كفيلة بأن تحدث إرباكاً لدى أي وسيلة إعلامية فضائية كانت أم محلية. ومثل هذه الأحداث التي تتنافس الشاشات على تغطيتها مباشرة على الهواء لا مفرّ من زلات هنا وإخفاقات من هناك.

وقد عكس بعض التعامل الإعلامي مع الأحداث الثلاثة قصوراً مزمناً في حساسيتنا حيال انفلات أوضاع من هذا النوع.

الحدث العراقي مثلا استمر في كونه مادة رقمية من حيث أعداد الضحايا كما استمر التعامل بانحياز طائفي واضح لدى بعض وسائل الإعلام, فقد أعاد الحدث العراقي الجميع إلى قوقعته المذهبية وكان ذلك جلياً في مقاربة الحدث. فلسطينياً، لم يثر الانفلات المخيف للقتال في غزة وعنف المشاهد التي نقلتها الشاشات حساً نقدياً فعلياً إلا فيما ندر.. التعامل الصحافي مع التقاتل الفلسطيني والذي تخلله سقوط ضحايا من المدنيين من بينهم نساء وأطفال فلسطينيون، والتصفية العلنية لأفراد وشخصيات، والتدمير المباشر أمام العدسات لممتلكات عامة تحت شعار «تحرير غزة» كان تعاملا خجولا إلى حدّ مخز.

لم تكن الصور العنيفة مادة انتقاد فعلي للمنزلق الذي دخله الفلسطينيون والذي كان جلياً أنه جاوز في بعض الأحيان ما كانت تقدم اسرائيل عليه حين تمارس عنفها على الفلسطينيين.

في تغطية حدث الانفجار اللبناني كان الأبرز ما تفوهت به مذيعة لبنانية لإحدى القنوات المحلية التابعة لقوى المعارضة..

سمع صوت المذيعة بوضوح وهي تضحك شامتة لمقتل النائب عيدو ومتمنية مصيراً مماثلا لنائب آخر وختمت كلامها بقولها: «أنا أعدهم».. لا تكفي معرفة أن المذيعة قد طردت فوراً من عملها لطي صفحة تعليق من هذا النوع، كما لا ينبغي التعامل معه بصفته حدثاً فريداً...لكنّ زلة كهذه تظهر حجم الكراهية التي تكنها مجموعات ضد أخرى، وهنا أيضاً يغرق الجميع في وحول من هذا النوع.. أحداث العراق وغزة ولبنان وتعامل الإعلام معها يعيدنا مرة آخرى إلى معادلة:

قتلانا وقتلاهم..

فحين يتم النظر إلى القتل والعنف بصفتهما وسيلة مبررة للتغير، وحين يتمّ التعامي عن ممارسات عنفية والتعتيم عليها لأنها تمارس من قبل (نا) فهذا يعني أن حساسيتنا الإنسانية وموقفنا من مبدأ رفض إلغاء الآخر أو استهدافه ملتبساً وضعيفاً..

ومهما أسهب ممانعون وقوميون ومتطرفون دينيون في الحديث عن مؤامرات كبرى وصغرى، يبقى جوهر الكارثة كامنا في ضعفنا وتعثرنا إزاء أنفسنا قبل الآخرين.
*(عن الشرق الاوسط)
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 02-ديسمبر-2024 الساعة: 12:42 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/45476.htm