المؤتمر نت - مفتي إثيوبيا
صحيفة الخليج -
مفتي إثيوبيا: لا نهوض للأمة إلا بوحدتها
أكد الشيخ عمر إدريس مفتي إثيوبيا رئيس مجلس كبار العلماء أن الإسلام ينتشر بالدفع الذاتي ودون تحرك المسلمين، مشيراً إلى أن مسلمي إثيوبيا يقدمون صورة مثالية للمجتمع المسلم، وحذر من أن الخلافات المذهبية والصراعات الطائفية والتيارات الفكرية المتناحرة تمثل خطراً كبيراً على وحدة الأمة وتهدد بقاءها لأنها تفرق بين أبنائها وتضعفها أمام أعدائها. وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته معه “الخليج”:

هل تحدثنا عن تاريخ دخول الإسلام إلى بلادكم والوضع الحالي للمسلمين هناك؟

- الجميع يعرف أن الإسلام دخل إثيوبيا مع الهجرة الأولى للمسلمين الأوائل الذين هاجروا من بطش وعدوان كفار قريش عليهم، حيث أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجرة إلى النجاشي، ملك الحبشة آنذاك، حيث كان معروفاً بعدله وانه من أهل الكتاب ولا يظلم عنده أحد.

وان كان مسلمو اثيوبيا في فترات زمنية معينة قد عانوا من بعض المشكلات والتضييق عليهم نتيجة عوامل وأسباب سياسية أو غيرها، إلا أنهم اليوم يعيشون حياة طبيعية ويمارسون الأنشطة والشعائر الدينية بكل حرية في ظل الدستور الإثيوبي الذي قرر جميع الحقوق الإنسانية لجميع الإثيوبيين دون النظر إلى العقيدة أو اللون، فالكل أمام القانون سواء.

وأكثر من هذا فإن المسلمين شركاء باعتبار أنهم يمثلون نصف المجتمع الإثيوبي الذي يبلغ تعداد سكانه ما يقرب من 80 مليون نسمة، أي أن المسلمين يمثلون ما لا يقل عن 40 مليون نسمة، ولذا فإنهم موجودون في كل المناصب الحكومية والبرلمانية والسياسية، ومنهم الوزراء ورؤساء الأقاليم.

إننا نرى أن وضع المسلمين في إثيوبيا لا يقل عن أي دولة إسلامية أخرى من حيث الكيان والشخصية المتميزة، غير أن المشكلة عند الكثيرين من إخواننا المسلمين في أنحاء العالم أنهم لا يعرفون ، بل يجهلون الكثير، عن إخوانهم في الدول الأخرى وخاصة في الدول الإفريقية، وهذه مسألة جد خطيرة ويجب علاجها لأنها تباعد الهوة بين المسلمين المفترض أنهم أخوة مترابطون متعاونون.



مظاهر التدين



أشرت إلى أن الإسلام قديم في إثيوبيا، فما مظاهر هذه العراقة في المجتمع الإثيوبي؟

- مظاهر الإسلام لدينا متعمقة في كل شؤون الحياة العامة، فالمسلمون لديهم إيمان راسخ وعقيدة قوية وحرص شديد على تلقي العلوم الدينية المختلفة، ولذا نجد عددا كبيرا من المدارس الدينية في كل قرية حيث يقبل الآباء وأولياء الأمور على تعليم الأبناء العلوم الدينية، وهذا إلى جانب مراكز ومكاتب تحفيظ القرآن الكريم التي لا يخلو منها مسجد أو مجموعة منازل متجاورة.

ودائما ما تجد مظاهر هذا التعمق الديني والتمسك بالقيم والآداب الإسلامية في الريف أكثر منه في المدن، حيث تبرز مظاهر الترابط والتكافل والعلاقات الأسرية والاجتماعية القوية لأن رباط الإخوة الإسلامية هو الذي يربط بينهم، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “المسلم اخو المسلم...”. أولم يصف المجتمع المسلم المؤمن بأنه كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟

وتتجلى هذه المظاهر أكثر في المناسبات الدينية خاصة في شهر رمضان المعظم، حيث يلتف الجميع حول مائدة الإفطار التي تقام في مسجد القرية أو في بيت كبير العائلة أو القرية، فالجميع يحرص على حضور هذه المائدة التي تتحول من مجرد تجمع حول الإفطار إلى جلسة تتم فيها مناقشة جميع قضايا المجتمع المسلم سواء كانت أسرية أو زوجية أو اجتماعية أو غيرها.

ويتلقى الأبناء قيم الاحترام للكبير وتوقيره وصور الشورى والتعاون وكذا تزويج الشباب والفتيات وبحث كل شؤون الحياة.

وكثرة عدد المساجد خير شاهد واكبر دليل على عمق مظاهر التدين والتمسك بالإسلام الحنيف، وأشير في هذا المجال إلى أن عدد المساجد زاد أضعافا مضاعفة خلال السنوات القليلة الماضية حتى وصل إلى 260 مسجداً بعد أن كان لا يتجاوز 15 مسجداً فقط في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهذه المساجد جميعها تم إنشاؤها بالجهود الذاتية ومن تبرعات مسلمي إثيوبيا دون مساعدات من أي جهة خارجية .



تقاليع وافدة



إذاً ما مشكلات المجتمع المسلم في إثيوبيا؟

- نحن شأننا شأن أي مجتمع لدينا مشكلات داخلية وخارجية وافرة، أما الداخلية فهي أننا رغم التمسك بالدين والمظاهر الكثيرة للالتزام بتعاليم وأحكام الدين الحنيف إلا أننا بحاجة إلى التعرف أكثر وأكثر إلى ديننا من خلال الكتب والعلماء والدعاة، كما نحتاج إلى مواصلة التعليم الديني لأبنائنا في الجامعات والمعاهد الدينية المتخصصة، ولذلك نرسل بهم إلى الأزهر الشريف في مصر وجامعات السعودية والسودان وغيرها من الدول العربية والإسلامية، كما نستقبل أعدادا كبيرة من العلماء والدعاة إلينا سواء في زيارات سريعة أو بعثات دائمة.

غير أن أخطر مشكلة هي الأفكار والتقاليع الغربية الوافدة عبر الفضائيات ووسائل الإعلام الحديثة، ولذا نركز بشكل كبير على قضية التربية وخاصة للصغار من خلال تعهدهم بالعطف والاهتمام الأسري وتحفيظهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، لأننا ندرك أن ثروتنا الحقيقية في حسن تربية وتوجيه الصغار لأنهم سيتولون زمام الأمور وقيادة الأمة مستقبلا.



دعاة متعصبون!



أما المشكلة التي تمثل أزمة حقيقية بالفعل فهي التي يأتي بها الدعاة والعلماء حيث يصبحون مصدر الفرقة والتعصب والتشدد الذي لم نكن نعرفه من قبل، لأنهم أتوا إلينا بخلافاتهم المذهبية وتياراتهم الفكرية بل وبصراعاتهم السياسية في بلادهم حتى ابتلينا بأنواع وصور من الخلافات والاختلافات في الدين، ولذلك فإننا دائما نؤكد لكل من يأتينا أننا نرحب به داعيا إلى تقديم صحيح الإسلام وتعاليمه، لكننا نرفض أن يصبغ هذا بخلفيات أو مؤثرات سياسية أو فكرية أو طائفية أو مذهبية.

ونؤكد دوما أننا كمسلمين ينبغي أن نتمثل قيم وأوامر الله سبحانه وتعالى القائل: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”، وامرنا كذلك “وتعاونوا على البر والتقوى”، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وحد العرب المتناحرين المتصارعين في أمة واحدة مختلفة المشارب واللغات والأجناس ارتبطت برباط الدين والعقيدة ودستورها القرآن المجيد، فهل يقبل بعد كل هذه القرون أن نتخذ من وسائل وحدتنا معاول هدم وتفريق للأمة في الوقت الذي تهرول فيه الأمم والشعوب الأخرى التي بينها ما بينها من خلافات وصراعات وحروب إلى التكتل والتحالف فيما بينها؟

إن عصرنا لا يعترف بالكيانات الصغيرة المتفرقة الضعيفة ونحن أمة تمتلك كل مقومات القوة والتقدم، وقد وصفها الحق سبحانه وتعالى بقوله: “كنتم خير أمة أخرجت للناس”.



وضع محزن



كيف ترى وضع المجتمعات والأمة الإسلامية بصفة عامة؟

- الحقيقة أن الوضع العام للأمة الإسلامية محزن ومخز لما تعانيه من ضعف وتكالب الأمم عليها وهي مستكينة مستسلمة مع أن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) حذرنا من هذا الوضع منذ 14 قرناً من الزمان حين قال: “يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها” وعندما تساءل الصحابة رضوان الله عليهم: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ أجابهم بالنفي، مبيناً السبب الرئيسي لهذا بأنه “الوهن” الناتج عن حب الدنيا وكراهية الموت، فللأسف الشديد أصبحنا نحرص على الدنيا وكأنها هي المنتهى، وأسباب هذا الضعف تتمثل في ابتعادنا عن منهج الخالق سبحانه وتعالى المتجسد في كتابه الكريم الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وأرشدنا وعلمنا إياها، وكذلك سنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم، ويكفي أن الرسول قال: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا، كتاب الله وسنتي”.
* الخليج
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 02-ديسمبر-2024 الساعة: 12:39 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/45298.htm