المؤتمر نت - معن بشور
معن بشور -
يوم المقاومة والوحدة
التاسع من نيسان الذي أرادته إدارة بوش سقوطاً للعراق بعد احتلال عاصمته، والذي أراده أركان العملية السياسية في لحظات ولادتها الأولى في 13 تموز 2003 أن يكون عيداً وطنياً للعراق، والذي اراده مشروع الشرق الأوسط الكبير اشارة انطلاق نحو تقسيم العراق على طريق تقسيم المنطقة الى دويلات عرقية وطائفية واقليمية، تحول مع مئات الالاف من العراقيين الزاحفين باتجاه النجف الاشرف الى يوم لرفض الاحتلال ولرفض التقسيم في آن...
والعلم العراقي الجامع بين رمزيته العربية والإسلامية في آن، والذي اريد له ان ينحسر امام علم آخر بايحاءات اسرائيلية بعد أن أقره مجلس الحكم الانتقالي بأوامر من بريمر، بقي هو العلم المرفرف في أرجاء العراق، وهو العلم المحتضن بالامس تأكيداً على وحدة العراق بوجه كل التقسيمين والفدراليين الموزعين من شمال العراق الى جنوبه.
والشعب العراقي الذي ارادوا تمزيقه بالفوضى الدامية، والمفخخات المشبوهة، وبالعصبيات العرقية والطائفية والمذهبية التي دخلت كمصطلحات مع المحتل، لتتحول الى محاصصات في المؤسسات التي شكلها هذا المحتل، ثم الى انفجارات وتفجيرات وجثث مجهولة وفرق موت جوالة وسيارات مفخخة متنقلة، هو الشعب نفسه الذي رآه العالم كله يوم الاثنين الفائت منضبطاً تحت شعارات موحدة، موحداً في ظل علم واحد، مؤكداً ان محنة العراق الاولى هي الاحتلال وافرازاته.
وفيما تتناقل وكالات الانباء ووسائل الاعلام يومياً انباء خسائر الجيش الامريكي وحلفائه واعوانه في العراق على يد عمليات المقاومة العراقية الباسلة التي لم تستطع كل الخطط الاستراتيجية الامريكية القديمة – الجديدة، ولا التشكيلات الامنية المتعددة الاسماء، والموحدة الاهداف، ان توقف تصاعدها، فان ما جرى في النجف في التاسع من نيسان هو عملية سياسية وشعبية كبرى، ولكن في مواجهة الاحتلال وليس في خدمته...
لقد صمدت المقاومة العراقية بوجه كل محاولات التشويه والصاق تهم الارهاب والاجرام وقتل المدنيين الابرياء فيها والتي لم تكن اجهزة مخابرات الاحتلال والموساد الصهيوني ببعيدة عنها، واثبتت التقارير الصادرة عن البنتاغون بان نسبة العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال تبلغ 75% من مجمل العمليات، وان27% منها تنفذ ضد القوات الامنية المتعاونة مع الاحتلال، فيما لا تزيد نسبة العمليات ضد المدنيين عن 7% رغم انها تحظى بالقدر الاكبر من اهتمام وسائل الاعلام الممسوكة من قوات الاحتلال وادواتها سواء بالترغيب (حيث انكشف حجم الاموال المخصصة للتضليل الاعلامي وشراء الاقلام والمؤسسات)، او بالترهيب (حيث بلغ عدد شهداء الاعلام في العراق 153 صحفياً بين مراسل ومصور).
وها هي مسيرة النجف تظهر للعالم كله، ومعها معارك الديوانية ضد قوات الاحتلال، والمتواصلة منذ ايام ، ان مقاومة الاحتلال هي خيار الاغلبية في الشعب العراقي، وان رافضي الاحتلال ليسوا فئة بعينها فحسب، او ابناء مثلث جغرافي محدود فقط، او جماعات حزبية تريد استعادة امتيازات او سلطة كما يقولون، بل انهم الشعب العراقي باسره الذي اعلن 94% منه رفضه للاحتلال حسب استطلاع نظمه مركز بغداد للدراسات الدولية بتكليف من الخارجية الامريكية.
وهذه المسيرة الشعبية الضخمة هي استئناف لمسيرة كفاحية شهدتها النجف نفسها قبل ثلاث سنوات، وانضوى تحت لوائها عراقيون من كل ارجاء العراق، بما فيها ابناء الفلوجة الذين تذكروا انتصار اهالي النجف والكوفة ومدن الجنوب لهم في مواجهة العدوان الامريكي الاول على مدينتهم في مثل هذه الايام قبل ثلاث سنوات ايضاً.
يومها برز العراق موحداً في معركتي النجف والفلوجة في آن معاً، وبدا أن مشروع تقسيم العراقيين قد سقط تحت اقدام الوحدة الوطنية والاسلامية العراقية، بل برز الشعب العراقي قادراً على ان يترجم الى فعل ميداني ذاك الهتاف الذي انطلقت به حناجر المصلين من كل المذاهب في مسجد ابي حنيفة النعمان في الاعظمية بعد ايام على احتلال بغداد ثم في اليوم ذاته في مسجد الامام الكاظم في الكاظمية وهو الهتاف الذي ردده متظاهرو النجف"سنة وشيعة هذا العراق ما نبيعه".
يومها أدرك المحتلون انه لا بد من استراتيجية جديدة ينفذونها لضرب الوحدة التي برزت على امتداد العراق في مواجهة الاحتلال، فجاء نيغروبونتي سفيراً لواشنطن في بغداد بعد ان ثبت فشل بريمر الذريع (وفشل بريمر يظهر على شكل خيبة في مذكراته)، وحمل معه السفير الجديد (الذي عيّن فيما بعد رئيساً للوكالة الوطنية للمخابرات الأمريكية) تجربته وخبرته في إشعال الحروب الأهلية وتشكيل "فرق الموت" في عدة دول عمل فيها واشهرها السلفادور، وبدأ العمل عبر خطة متعددة المراحل والمستويات والاساليب، على نقل العراقيين الى حال من الفوضى والاحتراب الداخلي مستفيداً دون شك من ثغرات في مواقف اقليمية ومحلية محكومة بأفق ضيق وحساسيات قديمة من جهة، كما من عقول قاصرة ومتخلفة ومنغلقة من جهة اخرى.
وشهد العامان المنصرمان بشكل خاص، سباقاً محموماً بين مقاومة تركز كل جهودها على مقاومة المحتل واعوانه، وبين فتنة تنتقل بحرية كاملة من مسجد عراقي الى حسينية او كنيسة، ومن سوق شعبية الى مدرسة او جامعة، ومن مقام ديني الى آخر، وذلك لتحقيق هدفين في آن معا: قتل اكبر عدد ممكن من العراقيين كعقوبة لهم على مقاومة الاحتلال ومشاريعه، وتمزيق وحدة النسيج الوطني العراقي الحاضرة في البيت العراقي الواحد، وفي العائلة العراقية الواحدة، وفي العشيرة العراقية الواحدة، وفي احزاب العراق الوطنية والقومية ذات الجذور في المجتمع العراقي.
لا بل استخدمت الخطة الامريكية – الصهيونية وعبر ادوات معروفة، ورموز متجذرة في ارتباطها بمشروع الاحتلال، خطة اختراق لكثير من الكيانات السياسية والمذهبية من اجل زجها في اتون العنف الاهلي والاحتراب المذهبي، ووصلت العملية الى ذروتها مع اعدام الرئيس صدام حسين حيث كان واضحا ان المحتل الامريكي اراد عبر عملية الاعدام ذاتها، وعبر تسريب الصور المثيرة عنها، ان يستخدمها في اشعال حريق مذهبي وطائفي ليس في العراق وحده وانما على مستوى المنطقة العربية والاسلامية.
ولقد اتضح من سياق الاحداث المتتالية ان عملية الاعدام هذه كانت جزءاً من صفقة مشبوهة يتم من خلالها تسليم الرئيس العراقي السابق ورفاقه الى حكومة المالكي من جهة، مقابل رفع الغطاء عن السيد مقتدى الصدر الذي بدأت مطاردته امريكيا منذ ان استخدم اسمه خلال تنفيذ الاعدام.
وبهذا المعنى، جاءت مسيرات التاسع من نيسان تعبيراً عن ادراك عراقي متزايد للعبة الاحتلال الامريكي القائم على قانون "فرق تسد"، وان العراقيين، مهما عظمت الخلافات والانقسامات بينهم، هم هدف نيران المحتل الذي يجيد استخدام هذه الخلافات والانقسامات الداخلية للاجهاز على الجميع، وللاجهاز بشكل خاص على العراق.
ان يوم التاسع من نيسان 2007 يوم تاريخي في حياة عراق ما بعد الاحتلال، وهو خطوة في الاتجاه الصحيح ينبغي استكمالها بخطاب جديد من كل الاطراف، وبممارسة جديدة من كل التيارات والقوى، وباستلهام روح المسيرة وشعاراتها، في بناء جبهة وطنية عراقية تضم كل القوى والتيارات والشخصيات المناهضة للاحتلال والتقسيم، جبهة مشدودة الى المستقبل لا الى الماضي، ملتزمة خيار المقاومة لا خيار "المنطقة الخضراء"، حريصة على استعادة العراق لابنائه العراقيين بعيداً عن أي تدخل خارجي.
فالافق اليوم امام تحرير العراق وتعزيز وحدته بات مفتوحاً اكثر من أي وقت، على الصعد المحلية والاقليمية والدولية، بل ان خيار المقاومة العسكرية والسياسية والاعلامية والثقافية بات اكثر جدوى من أي وقت مضى.
فلتتواصل مسيرة المقاومة ضد المحتل، ولتتعمق ارادة الوحدة بين العراقيين، حتى يعود العراق الى اهله، ويعود اهله المشردون اليه.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 02-ديسمبر-2024 الساعة: 01:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/42654.htm