المؤتمرنت -
إنشاء مجمع للتقريب بين المذاهب الإسلامية
محاولات التقريب بين المذاهب الإسلامية قديمة قدم الخلافات التي فرقت بين المسلمين، ورغم هذه المحاولات فإن الصراع استمر حتى وصلت الصورة إلى الأوضاع المأساوية التي نعيشها الآن.

تحرك بعض علماء الإسلام واتفقوا على إنشاء مجمع للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وشهدت القاهرة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي الاجتماع التأسيسي لهذا المجمع، وتم انتخاب الشيخ محمد عاشور وكيل الأزهر الأسبق رئيسا للمجمع، والسؤال المهم: هل يستطيع هذا المجمع القيام بدور حقيقي وفاعل في التقريب بين مذاهب المسلمين؟


الإجابة يوضحها الذين شاركوا في تأسيس المجمع ورؤية بعض علماء الدين لأهمية التقريب بين المذاهب الإسلامية، وقبل ذلك لابد أن نشير إلى أن مؤتمر حوار المذاهب الذي عقد في الدوحة من 20 22 يناير/ كانون الثاني الماضي كانت له نتائج جيدة في التقريب، حيث أكد العلماء المشاركون من السنة والشيعة إدانتهم للحرب الطائفية في العراق ورفضوا بالإجماع التطاول على الصحابة وأهل بيت النبي، وأوصوا بتشكيل مجمع علمي عالمي يعزز التقريب بين المذاهب والطرق. واتفقوا على الاحترام المتبادل وعدم نشر المذهب السني في البلاد الشيعية وعدم نشر المذهب الشيعي في البلاد السنية.

امتداد لدار الخمسينات



في البداية يقول الشيخ محمود عاشور رئيس المجمع: إن هذا المجمع سيكون امتدادا للدار القديمة التي أنشأها الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر في الخمسينات من القرن الماضي حيث استمر عمل اللجنة حتى قامت الحرب العراقية الإيرانية وتوقفت بعدما فشلت جهودها في الوساطة بين الطرفين، ولأن الظروف الحالية تقتضي بشدة أن يكون هناك تقارب فعال وحقيقي بين الشيعة والسنة حتى يصمد الطرفان أمام محاولات أعداء الأمة لتشتيت المسلمين ودفعهم نحو الاقتتال والتناحر، فإن مجموعة من علماء الإسلام من السنة والشيعة اتفقوا على إحياء دور التقريب كوسيلة فعالة للقضاء على الفرقة والتشتت بإنشاء المجمع الذي يأخذ على عاتقه القيام بدور حقيقي وفاعل في التقريب بين السنة والشيعة في كل مكان في العالم.

وتم بالفعل الحصول على مقر للمجمع وجار تجهيزه ومن المقرر أن يتم عقد مؤتمر عام للعلماء المسلمين فيه خلال الأسابيع القليلة المقبلة حيث سيتم بحث الخطط المستقبلية للعمل على أن يتم عقب ذلك مباشرة تنفيذ الخطة التي يتم الاتفاق عليها وسنخاطب خلال الأيام القادمة المؤسسات الإسلامية الرسمية كي تنضم إلى المجمع.

دور فكري محوري



ويضيف الشيخ عاشور: والمجمع لن يلعب أي دور سياسي حتى لا يتخيل البعض أنه تم إنشاؤه لأسباب سياسية فالوضع في العراق على سبيل المثال لن يتم التطرق إليه من قريب أو من بعيد لأن كل العلماء المشاركين أكدوا أن ما يحدث هناك من اقتتال بين السنة والشيعة يعود في الأساس إلى القوة الاستعمارية الموجودة هناك والتي تلعب دورا أساسيا في تأجيج مشاعر البغضاء والكراهية في هذا المجتمع المسلم، لذلك فإن الدور الأساسي الذي سيعمل “مجمع التقريب” على الاهتمام به هو دور فكري محوري في المقام الأول لأنه مادام هناك اتفاق في الأصول الدينية بين السنة والشيعة فإن ذلك يؤكد أنه يمكن التجاوز في الفرعيات بين الطرفين، وكما قال العلماء والفقهاء “يعاون بعضنا بعضا فيما اتفقنا فيه ويعزز بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”.

وننتظر أن ينضم إلى المجمع كبار علماء الأمة الإسلامية في مختلف التخصصات، لأن عملنا لن يكون مجرد دائرة فقه، بل إن اللائحة الداخلية للمجمع تنص على وجود لجان فرعية أكثر تخصصا مثل لجنة الفقه والمذاهب، والفرق والطوائف الدينية، وتاريخ الأديان والمذاهب، والتقريب وهي اللجنة الرئيسية.

ومن المقرر أيضا أن يصدر المجمع كتبا ونشرات تحوي ما توصل إليه العلماء من توصيات بحيث يكون لها تأثيرها الفعلي في واقع الأمة، وسيتم تبادل الزيارات العلمية بين المجامع الفقهية والفكرية سواء التابعة للسنة أو الشيعة حتى تكون هناك لقاءات ومناقشات للقضاء على جميع أشكال التعصب والتطرف بين أبناء الدين الواحد والأمة الواحدة.

جمع الكلمة



ويشير د. أحمد عبد الرحيم السايح أستاذ العقيدة في جامعة الأزهر والعضو المؤسس في المجمع الجديد: إن التقريب رسالة يجب أن يهتم بها كل مسلم، فجمع كلمة المسلمين أمر حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال لأصحابه: “ألا أدلكم على تجارة أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله فقال: تقاربون بين الناس إذا تباعدوا وتصلحون بينهم إذا تفاسدوا”. ولما كان موضوع الفرقة بين السنة والشيعة أمر يستغله الحاقدون على الأمة الإسلامية فكان لابد أن نعمل على جمع كلمة الأمة خاصة وأن مذاهب الشيعة ومذاهب السنة تلتقي جميعا في الأصول الأساسية والمبادئ الرئيسية للإسلام من الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والاتجاه إلى قبلة واحدة، ولكن ظهرت في التاريخ الإسلامي أمور باعدت بين المسلمين نتيجة لغفلتهم عن الفهم الصحيح للدين، وظهرت أفكار وطوائف زادت هوة الخلاف بين الشيعة والسنة وهو ما يعني ضرورة أن يستيقظ المسلمون ويكونوا على وعي بهذه الأساليب التي يثيرها أعداء الأمة الإسلامية.

ومن أجل قطع الطريق على الساعين إلى بث الفرقة والتشرذم بين المسلمين اتفق عشرون من علماء السنة مع بعض علماء الشيعة على إنشاء هذا المجمع، وسيتم خلال الفترة القادمة فتح فروع له في مختلف العواصم العربية والإسلامية.

والواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم يؤكد أن الوقت قد حان لطرح الخلافات جانبا والعمل بروح الأمة الواحدة خاصة في مواجهة الأخطار الداهمة التي يتعرض لها، فإن رصاص الأعداء لا يفرق بين سني وشيعي، لأنهم يعلمون أننا في الحقيقة واحد وأننا سنة وشيعة نركز على اختلافاتنا في المسائل الفرعية التي يجوز فيها الاجتهاد، وننسى اتفاقنا على الأصول ويعمل الأعداء على تغذية الخلافات بيننا لإضعافنا وتمزيق وحدتنا وقوتنا التي نستمدها من ديننا وعقيدتنا ومن هنا فإن رسالة “مجمع التقريب” لا تهدف إلى إلغاء المذاهب أو إضعاف ولاء المسلم لمذهبه.

أخطار مصيرية



ويشير د. محمد سليم العوا أمين عام اتحاد العلماء المسلمين والمفكر الإسلامي المعروف إلى أن الاتحاد يرحب بإنشاء هذا المجمع خاصة في ظل وجود عدو يتكالب علينا. ويضيف: أن الاختلافات بين الشيعة والسنة لا تنال من إسلام أي منا طالما أن الإيمان بالله ورسوله يجمعنا، وأن سبب الفرقة إنما يعود في مجمله إلى السياسة التي ظهرت في البداية ثم نشأت بعدها الاختلافات في الفروع، والثابت أن العدو قد التفت لتلك الاختلافات وأخذ يعمل على توسيعها لإصابة الأمة الإسلامية بالتحلل وهى مازالت على قيد الحياة، ولعل أبرز دليل على ذلك هو محاولات التقسيم الواضحة في تعامل الغرب مع المسلمين واللعب على أوتار التعددية لتفريقنا، وللأسف هم ينجحون في ذلك في كثير من الأحيان، رغم أننا لو دققنا في الأمر بعض الشيء لوجدنا أن قبولنا التعددية مع الاحترام المتبادل هو أساس قوتنا وتطورنا وهو ما يلزمنا برفع شعار الوحدة الإسلامية فمن دون هذه الوحدة لن نكون شيئا.

ويجب أن نلتفت إلى أن التمزق والتفرق في العالم العربي آفة لا تتفق مع رؤية أو قرار ولنتذكر أن الشعوب الإسلامية عندما توحدت حيال حرب لبنان الأخيرة فإن “إسرائيل” تلقت لأول مرة منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول 73 ضربات قاصمة آثارها مازالت حتى اليوم، ولكننا لم نستمر طويلا في توحدنا وعدنا لنعاني من الفرقة والتشرذم ولم يلتفت أحد إلى أن أعداءنا يسعون إلى هذه الفرقة حيث يريدون تفريق الأمة.

ويمضي قائلاً إن إنشاء كيان جديد يأخذ على عاتقه القضاء على أسباب الفتنة والخلاف بطريقة فكرية ومنهجية سليمة أمر يدعو إلى التفاؤل، فالإسلام في حاجة لكل أبنائه من علماء وعوامل لمواجهة الأخطار التي تتهدد الأمة في دينها وهويتها وثرواتها، والتقريب قضية يجب أن يضعها المسلمون جميعا نصب أعينهم.

وأنهى د. العوا حديثه بأنه على الجميع الحوار والتواصل والالتزام بعدم تكفير أي طرف للآخر لأن الالتزام بالحوار سيترتب عليه خطاب ديني وإعلامي وثقافي يحقق التعايش السلمي بين أبناء الأمة الإسلامية.

تجلية الغموض



ويؤكد د. محمد أبو ليلة أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر أهمية إنشاء هذا المجمع قائلا: إن له أهمية استراتيجية ضخمة خاصة في الظروف السياسية التي يعيشها المسلمون اليوم، فلا أحد يستطيع التغاضي عن الحاجة الشديدة لوجود هيئة أو مؤسسة فاعلة للتقريب بين قلوب المسلمين وعقولهم ومذاهبهم في سبيل توحيد الأمة في عصر يتكتل فيه العالم وتشن الحروب ضد أمة الإسلام من دول تتحالف وقد أغراها ضعف وتفرق المسلمين وعلى الرغم من وضوح أسباب انهزام الأمة وإهدار كرامتها فلا يزال المسلمون مترددين في الأخذ بأسباب القوة وبوسائل الخروج من الأزمة.

ويضيف د. أبو ليلة: أن معنى التقريب هو الدعوة إلى نبذ التعصب والتحزب القائم على رفض الآخر، ولا يعني قط إخراج احد من مذهبه إلى مذهب آخر، بل إنه يهدف فقط إلى إزالة العداوات والحواجز النفسية وتجاوز الماضي بسلبياته وأخطائه واستشراف المستقبل، والغرض من تقريب المذاهب تجلية الغموض وإزالة الشبهات وقراءة الآخر من مصادره حتى يمكن التعامل معه على أساس من الفهم المشترك في محاولة للتعايش المذهبي تمهيدا لتسامح عام في المجتمع. الخليج

تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 02-ديسمبر-2024 الساعة: 01:29 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/40735.htm