المؤتمر نت - .
محمد الصياد * -
بين فتح وحماس أين الصواب وأين الخطأ؟
كانت حركتا فتح وحماس قاب قوسين أو أدنى من إعلان قيام حكومة الوحدة الوطنية التي ينتظرها الشعب الفلسطيني والقوى الديمقراطية في العالم العربي بفارغ الصبر. إلا أن شيئاً ما حدث في اللحظة الأخيرة لا أحد يعلم ما الشيء الذي عطل هذا الإعلان وأعاد الموضوع إلى نقطة الصفر كما صرح بذلك رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس.
الخلاف الجوهري بين الجانبين صار معروفاً للقاصي والداني. ويتمثل في اعتراف حركة حماس ب “إسرائيل” ليصبح بالإمكان إنشاء حكومة فلسطينية تتمتع بقبول إقليمي ودولي بما يمكنها من استئناف مفاوضات التسوية مع “إسرائيل”.
ويبدو أن قاسماً مشتركاً قد توصل إليه الجانبان حول هذه النقطة، ربما أعفى حماس من مطلب الاعتراف العلني الصريح وأعطى حكومة الوحدة الوطنية الجديدة بعض المرونة في التحرك السياسي والدبلوماسي.
ولكن الصياغة النهائية لهذه الإشكالية ربما جاءت على غير رضا حماس، وربما يكون العامل الخارجي لعب دوراً في “فركشة” الجهد الذي بذل للتوصل إلى حل مرضٍ للطرفين. فقد يكون دخول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل من دمشق على خط الأزمة بتوجيهه لقيادة حماس في الداخل باتخاذ موقف متشدد من مفاوضات تشكيل الحكومة، وقد يكون تدخل وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس (وهو أمر مؤكد لا جدال فيه) التي عبرت المحيط لا لوضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني جراء الحصار “الإسرائيلي” والأمريكي والأوروبي المفروض عليه بسبق الإصرار والترصد، وإنما لتحريض أطراف النزاع السياسي الفلسطينية ضد بعضها البعض قد يكونان مسؤولين عن انهيار حلم حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعودة طرفي النزاع، فتح وحماس، لخطابهما السياسي المتشنج الذي تنطوي بعض مخاطره على تعبئة قواعد الطرفين وتهيئتهما لجولة جديدة من الصراع المسلح لا بد أن تكون “إسرائيل” والإدارة الأمريكية أكثر السعيدين به لأن فيه اضعافا لهما ولطاقتهما البشرية والتسليحية، ناهيك عن زيادته لمعاناة المواطن الفلسطيني وإحباطاته النفسية والمعنوية.
ونقولها صراحة إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يخطئ خطأ فادحاً إن هو مال إلى تصديق “وعود” رايس بمكافأته سياسياً إن هو نفض يديه من حماس ومن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. فهؤلاء يوعدون منذ نصف قرن ويستولدون ويستنسخون “المبادرات” الواحدة من الأخرى: فأين اتفاقيات أوسلو وبناتها المتناسلات؟ وأين تفاهمات ميتشل ومبادرة تينت؟ وأين رؤية بوش لدولتين متعايشتين؟ وأين خطة خارطة الطريق؟ وأين مواقف وتفاهمات اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا)؟
ويا أبو مازن هل نسيتم أن “الإسرائيليين” ظلوا حتى وقت قريب يعتبرونكم شريكاً غير مناسب لهم في عملية التسوية؟ تماماً كما انقلبوا على ياسر عرفات بعد انتهاء شهر عسل أوسلو ونزعوا منه صفة الشريك المناسب في عملية السلام؟ لقد كنت إبان رئاسة عرفات للسلطة الفلسطينية تشغل منصب رئاسة الحكومة الفلسطينية، واستقلت من منصبك احتجاجاً على ما اعتبرته حينها محاولات الرئاسة فرض توجهاتها على رئاسة الحكومة وتهميشها. اليوم وقد أصبحت في موقع عرفات (الرئاسة) فإن المنتظر منك ألا تمارس ما تعرضت له في تلك الأيام على رئيس الحكومة الحالية إسماعيل هنية مهما كانت وجهة نظرك السياسية (وحتى الشخصية) فيه.
إن مستشاريك يرتكبون بدورهم خطأ أفدح من خطئك إذ هم يشعلون الفضائيات والإذاعات بتصريحاتهم التي يهدفون من ورائها سد جميع أبواب الحوار للتوصل إلى تفاهم مقبول من الطرفين.
ثم تعالوا، لماذا هذا التهافت للحصول على لقاء مع ايهود أولمرت رئيس الحكومة “الإسرائيلية” في الوقت الذي استنكف فيه رئيس السلطة من لقاء رئيس الحكومة بعد إخفاق الجانبين في الاتفاق على أسس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؟
هذا أمر غير مفهوم في السياسة وإن كان متوقعاً على أية حال من حيث مزاجية الساسة العرب.
وأما فيما يخص حركة حماس، فإن الصراحة تقتضي القول إنه وبرغم الوسيلة الديمقراطية والشرعية التي اتبعتها الحركة للوصول إلى السلطة، وبرغم حقيقة ما تتعرض له الحركة من ضغوط سياسية وحصار دولي واقتصادي من ذوي القربى قبل الأجنبي الأمريكي والأوروبي، فإنه يتعين على الحركة الإقرار بوصول حظها من الاستمرار في الحكم في ظل هذه الظروف القاسية والمعطيات إلى طريق مسدود لا ينكره العقل السياسي الحصيف.
فلا يمكن دفن الرؤوس في الرمال إلى ما لا نهاية أمام هذا الواقع الموضوعي والاكتفاء بالخطب الحماسية الرنانة على نحو ما ظهر به رئيس الحكومة الفلسطينية في خطابه الحماسي الأخير الذي تقمص خلاله دور الزعيم المعارض، وهو الذي يتقلد مسؤولية رئاسة الوزراء. فما دامت حماس دخلت اللعبة السياسية بمحض إرادتها، فإن عليها أن تجيد فنون استخدامها كأداة لانتزاع المكاسب ومراكمتها، وأن تعمل على أساس أنها تحتمل تقديم التنازلات الوقتية لحصد بعض المكاسب الحالية والضرورية.
من الواضح أن حماس التي حصدت أصوات معظم الكتلة الانتخابية وفازت بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني وبالتالي بأحقية تشكيل ورئاسة الحكومة، بما فيها أصوات القواعد المؤيدة تقليدياً لحركة فتح نكاية في الأخيرة التي انغمس ممثلوها في قيادة وأجهزة السلطة في الفساد حتى آذانهم، من الواضح أنها تواجه مشكلات في الإدارة السياسية تتعلق بضيق الخيارات ومساحة المناورة التي وضعتها لنفسها وغياب عنصري الإبداع والدهاء السياسيين فيها.
لما كان ذلك فإن حماس إذا لم تضع حداً للمأزق السياسي الذي وضعت نفسها فيه وذلك إما بقبول الصيغة الوسطية لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح ومع بقية الفصائل الوطنية الفلسطينية أو بالتوصل إلى توافق وطني فلسطيني يقضي بتكليف طرف ثالث محايد، وليكن مثلاً الدكتور مصطفى البرغوثي رئيس المبادرة الوطنية، لتشكيل حكومة فلسطينية ذات طبيعة انتقالية، وإلا فإنها ستغامر بشعبيتها التي ستتآكل لا محالة مع تواتر تدهور الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني في الداخل.

* كاتب بحريني

[email protected]


تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 02-ديسمبر-2024 الساعة: 12:58 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/35871.htm