اليمن .. يتحّرق عطشاً تصور عزيزي القارئ أن كل دقيقة تمضي من عمرك يكون هناك (طفل- طفلان) قادمين إلى الحياة في بلدك وكل ساعة تقضيها في عمل ما يكون هناك (80) طفلاً يتنفسون بجوارك أحياء وبغروب شمس يومك يرتفع رصيد أولئك القادمين الجدد إلى (2000 طفل- بالطبع سيكون هناك مليون طفل في العام الواحد " على ذمة الإحصائيات) ينافسونك رفاهيتك في العيش بسلام وتتقاسم معهم المتاح على قلته وسيصبح نصيبك يتناقص بسرعة هذا النمو السكاني الذي تعجز مختلف الموارد عن تلبية احتياجاته وإشباع رغباته بمقومات العيش الأساسية. الدراسات تقرع أجراس الخطر القادم في البلد وتنذر ساكنيه بالموت عطشاً بتوالي رحيل الأيام. فالفرد في هذا البلد يحصل على نصيبه من المياه بنسبة 13.8% لما يحصل عليه غيره في البلدان الأخرى خصوصاً المعايير العالمية تحدد خط الفقر المائي بـ( 1000م3) للفرد في السنة- ليتها تقف عند تلك النسبة والتي لا يمكن الوقوف عندها لساعة واحدة في ظل نمو بشري متزايد يحمل مؤشرات الكارثة القادمة في المياة وتتعهد الدراسات المقرة رسمياً في هذا الجانب بتناقص كبير جداً يتدنى ليصل إلى 86م3 للفرد عام 2015م. والأيام القليلة القادمة تبشر بأزمة حقيقية للمياه والأحواض المائية تشهد على ذلك ويوماً بعد يوماً يتدافع الجميع إلى مصيدة الفقر المائي دون قيد أو شرط. ما سبق ليس في الصين أو الهند ثلث المليارات الستة الذين يقطنون هذا العالم معنا تحت سقف واحد ولكنه في اليمن – البلد المتمركز في الجزء الجنوبي الغربي للجزيرة العربية ويقطنه حالياً 20 مليون نسمة يتوزعون على (111) ألف تجمع سكاني في الحضر والريف الذي يشكل الأول منه حوالي 25% في حين يشكل الأخير وهو الريف 75%، تصل فيه الكثافة السكانية الكلية حوالي (30) نمسة/ كم2 يتعايشون في الجبال والوديان والسواحل والصحارى والجزر في كيانات صغيرة متناثرة ومتباعدة تحتضنهم رقعة جغرافية تقدر بحوالي (555) آلف كيلو متر مربع في العالم المترامي الأطراف. هذا البلد من الدول النامية لكنها تتقدم دول العالم بنسبة كبيرة في النمو السكاني لم تبلغها أكثر دول العالم سكاناً وأغناها مالاً وأفقرها حالاً كما أنها تقف على طرف العصا في الجهة الأخرى أفقر دول العالم، ما دامت الأفواه القديمة والقادمة إلى الحياة فاغرة أفواهها تنتظر الماء وتحترق عطشاً لأجله. نعلم جميعاً أن سكان العالم في هذا الجانب يتحرقون عطشاً كما روت ذلك إحصائيات الأمم المتحدة التي حددت الفقر المائي بحصول الفرد من سكان هذا العالم الذي يعبش على ربع مساحة المياه التي تجاوره ثلاثة أضعاف (1000م3) في السنة- ولكن ماذا إذا كان نصيب الفرد في زاوية من هذا العالم هو 138م3 في السنة بنسبة 13.8% وهو الحاصل عندنا في اليمن. لا شك أننا نحتضر عطشاً دون مسكنات تخفف حدة هذه الخطر الداهم الذي تساعده في الاشتعال المناخات الجافة لهذا البلد وشبه الجافة والمتناهية الجفاف، تتنوع في (55.5 مليون هكتار) هي المساحة الجغرافية لليمن والتي تتوزع كالتالي: - 30.5 مليون هكتار أراضي صخرية وصحراوية ومناطق سكنية تمثل 55% من إجمالي المساحة الكلية في اليمن. - 15 مليون هكتار أراضي قاحلة بنسبة 27% - من المساحة 8.4 مليون هكتار أراضي وأحراش وحوائل طبيعية بنسبة 15% 1.6 - مليون هكتار أراضي تحت الاستثمار الزراعي تمثل نسبة 3% من المساحة. ويرجع الجغرافيون شحة المياه في اليمن إلى هذه الأسباب بالإضافة إلى أن اليمن تقع ضمن الامتداد الشمالي لنطاق الطقس الاستوائي مما أدى إلى تأثر هطول الأمطار بالعديد من التأثيرات أهمها الرياح الموسمية المدارية المتجمعة والقادمة من المحيط الهندي والمكونة لموسم الأمطار الرئيسي في الربيع والصيف. وتأثيرات منطقة البحر الأحمر التي تتسبب في هطول الأمطار في إبريل ومايو، بالإضافة إلى الرياح القطبية القادمة من البحر الأبيض المتوسط متتابعة الانخفاض للأمطار في شهري ديسمبر ويناير. هذه العوامل مجتمعة وغيرها قللت كمية المياه المتجددة سنوياً في اليمن والتي تبلغ (1.5) مليار م3 (مياه سطحية) ومليار م3 (مياه جوفية) و 28.5 مليون م3 (مياه معالجة). وعلى الطرف الآخر يتسابق سكان اليمن (20 مليون نسمة) على استهلاك ما يقارب (3.4 مليار م3) يكون على إثره العجز في الموازنة المائية يصل إلى (872 مليون م) للمياه السطحية في حين أن ما يستنزفه الإنسان يشكل نسبة 5% من الثروة المائية التي تذهب منها 93% للري الزراعي التي ينال منها القات نصيب الأسد بنسبة تصل إلى 40% ،منها لري 91 ألف هكتار بزيادة (12) ضعفاً عما كانت عليه عام 1996م والتي تبلغ إجمالاً 2700 مليون من مكعب للقطاع الزراعي المتنوع من إجمالي استخدام المياه التي وصل إلى (2899) مليون م3 طبقاً لإحصائيات 1991م. أما الصناعة فنصيبها من المياه هو 2% فقط. الباحثون عن المياه في اليمن قسموا اليمن إلى (14) حوضاً جوفياً تتواجد فيها المياه الجوفية لبعضها في طبقة جيولوجية واحدة في الأخرى في عدة طبقات. وبمرور الأيام وتزايد الاحتياج للمياه تهافت الأحياء على متابعه ينخفض المنسوب الجوفي في ظل استنزاف عشوائي وقلة التغذية في حدودها الدنيا مقابل معدلات عالية للاحتياج والاستخدام. مما يجعل الأحواض المائية تقف في طابور الاستنزاف العشوائي الذي يلوح بالخطر وينذر بكارثة مائية تهدد الساكنين بجوارها بالموت عطشاً وهو ما يظهر جلياً هذه الأيام حيث أن حوض صنعاء تمنحه الأيام القليلة القادمة رخصة الجفاف نظراً لكمية المياه المسحوبة من جوفه والتي تبلغ 182 مليون م3 مقابل تغذية طبيعية شحيحة لا تتجاوز (52 مليون م3 في العام بنسبة 350% تتسبب في انخفاض منسوب المياه فيه إلى (6-8) أمتار في العام الواحد. أما "تعز" فإنها أصبحت تحلم بالارتواء من المياه و تشكو لوعة العطش ويتجاوز استخدام ساكنيها للمياه معدل التغذية لمنسوبها المائي بنسبة 210% والتناقص في حوضها المائي بين (2-6) أمتار في العام، تسبقها محافظة صعدة التي تحاصرها الشمس والرمال في سحب المياه الذي يصل إلى 65 مليون م3 في العام مقابل تغذية طبيعية تصل إلى (5،6) مليون م3 بمعدل انخفاض (1000%). ويتناقص حوضها المائي من (4-6) أمتار في العام. وطبقاً لنتائج التعداد العام 1994م فإن التوزيع السكاني يكون كالتالي: - 37598 قرية و 2080 عزلة ومركزاً و 226 مديرية، ينتشرون في 20 محافظة ويبين التعداد طريقة حصولهم على المياه كالتالي: - 39% مشروع عام و 38% أبار وبرك و 13% مشاريع تعاونية وخاصة و 10% من العيون. ومع هذه الأرقام فإن زحف المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي (بسرعة السلحفاة) أستطاعت حتى عام 1996م إمداد المياه من خلال (303.417) توصيلة لحوالي 37% من إجمالي سكان الحضر البالغ عددهم (1.827.345) منتفعاً. بلادنا ما زالت تتحرك ببطء والأحواض تقرع نواقيس الخطر والأرقام تتطاير منها الشرر ولازالت تفكر بتردد للاتجاه نحو البحر والاستفادة منه لتغطية الاحتياجات المنزلية والصناعية إقتداءً بالدول المجاورة لنا- لكن ما في اليد حيلة- وإن طالت مدة التفكير، وبدء العدد التنازلي لوقوع الكارثة المائية فالواجب إيجاد المسكنات والحلول العاجلة سواء بترشيد استخدام المياه ومنع الحفر العشوائي والاستعانة بعطاءات وكلاء الإنسانية للإطالة في عمر هذه المأساة المائية التي تهدد بقدومها 20 مليوناً يتحرقون عطشاً ينافسهم الوافدون الجدد للسقوط في جحيم المياه كما تبين وثيقة السياسة الوطنية للسكان المقرة من مجلس الوزراء بتاريخ 6/2/2001م، والتي تتوقع أن يصل نصيب الفرد من هذه الموارد المائية إل ى 86 م3 عام 2015م ويتناقص ليصل إلى 72م3 عام 2026م ، فماذا نحن فاعلون؟!! المراجع: 1- السياسة الوطنية للسكان في الجمهورية اليمنية (2001- 2025م). 2- الاستراتيجية الوطنية للمياه- الهيئة العامة للموارد المائية ومجلس الوزراء مارس 1999م. |