![]() |
الاكتئاب المبتسم: الوجه الخفي للحزن هل يمكن أن يبدو الشخص سعيدًا من الخارج، بينما يعيش في داخله صراعًا نفسيًا عميقًا؟ هذا ما يُعرف بـ الاكتئاب المُبتسم – حالة نفسية يعاني فيها الإنسان من أعراض الاكتئاب، لكنه يُخفي ألمه خلف ابتسامة وواجهة اجتماعية "ناجحة". ورغم أن هذا المصطلح لا يُعدّ تشخيصًا رسميًا في الكتب الطبية النفسية، فإن المختصين في الصحة النفسية باتوا يعترفون به كأحد أكثر أشكال الاكتئاب خفاءً وخطورة. ما هو الاكتئاب المُبتسم؟ الاكتئاب المُبتسم هو نوع من الاكتئاب يعيش فيه المصاب معاناة داخلية، لكنه يستمر في ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي – يذهب إلى العمل، يضحك مع الأصدقاء، يبدو ناجحًا… بينما هو في الواقع يُخفي شعورًا دائمًا بالحزن، أو الانهيار، أو حتى الرغبة في الموت. هذا النوع من الاكتئاب لا يظهر على الوجه. بالعكس، قد يبدو الشخص متماسكًا وربما متفائلًا، لكنه من الداخل يعيش ألمًا صامتًا يصعب اكتشافه حتى من أقرب الناس إليه. ما الفرق بينه وبين الاكتئاب التقليدي؟ الاكتئاب التقليدي غالبًا ما يظهر على الشخص: انسحاب اجتماعي، تعابير حزينة، فقدان واضح للطاقة أو الاهتمام. أما في حالة الاكتئاب المُبتسم، فالمظاهر خادعة: الشخص قد يبدو نشيطًا ومتفائلًا، لكنه يمثل دور الإنسان "الطبيعي" بينما يعاني بصمت. غالبًا ما يُصنّف هذا النوع ضمن ما يُعرف بالاكتئاب غير النمطي، أو ضمن الاضطرابات المزمنة مثل الاكتئاب المستمر (Dysthymia)، مع سمة أساسية وهي إخفاء المشاعر الحقيقية. أبرز الأعراض رغم أن المظهر الخارجي قد لا يكشف شيئًا، إلا أن من يعاني من الاكتئاب المُبتسم قد يُواجه داخليًا الأعراض التالية: حزن دائم أو شعور بالفراغ فقدان الاهتمام بالأشياء الممتعة الإرهاق وتقلّب المزاج قلق مفرط أو أفكار سلبية مشاكل في النوم أو الشهية صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات أفكار متكررة حول الموت أو الانتحار تجنّب التواصل العاطفي رغم الوجود الاجتماعي لماذا يُخفي البعض اكتئابهم؟ هناك أسباب كثيرة تجعل الشخص يُخفي معاناته: الخوف من الحكم الاجتماعي الرغبة في الظهور قويًا أو ناجحًا عدم إدراك أن ما يمرّ به هو اكتئاب فعلاً الخجل أو عدم الرغبة في إزعاج الآخرين القلق من فقدان الوظيفة أو التقدير المهني أشخاص كثيرون، خاصة في الثقافات التي تعتبر التعبير عن المشاعر ضعفًا، قد يشعرون بأن عليهم التظاهر بأن "كل شيء على ما يرام"، حتى عندما ينهارون داخليًا. المخاطر الكامنة من أخطر جوانب الاكتئاب المُبتسم هو أن المصاب قد يملك الطاقة الكافية للتخطيط والتنفيذ، حتى في الأمور الأكثر تطرفًا مثل الانتحار. ففي حالات الاكتئاب الحاد التقليدي، قد يكون الشخص مشلولًا من شدة التعب، بينما في الاكتئاب المُبتسم، قد يبدو "قادراً على كل شيء"، وهذا ما يجعله أكثر خطورة في بعض الأحيان. كذلك، فإن تأخر التشخيص بسبب إخفاء الأعراض يُؤدي إلى مضاعفات طويلة الأمد، تؤثر على جودة الحياة، وتزيد من العزلة والمعاناة الداخلية. كيف يتم التشخيص؟ لأن "الاكتئاب المُبتسم" لا يظهر كتشخيص طبي رسمي، فإن الاكتشاف يعتمد على الاستماع والتفهم، وليس فقط على ما يبدو للعيان. الطبيب أو الأخصائي النفسي يحتاج إلى طرح أسئلة مباشرة وإنسانية، تركز على المشاعر الداخلية والدوافع، وليس فقط على الأداء الخارجي أو المظاهر. هل هناك علاج؟ نعم، ويمكن أن يكون فعّالًا جدًا. يشمل العلاج: الأدوية المضادة للاكتئاب (خاصة مثبطات السيروتونين SSRIs) العلاج النفسي، وخصوصًا العلاج المعرفي السلوكي (CBT) تغييرات في نمط الحياة: نشاط بدني منتظم، تقليل التوتر، دعم اجتماعي، ونظام غذائي صحي لكن أهم ما في العلاج هو الاعتراف بالمشكلة وكسر حاجز الصمت. التوعية هي الخطوة الأولى رفع الوعي بالاكتئاب المُبتسم، سواء بين المختصين أو في المجتمع، أمر ضروري. فهذا النوع من الاكتئاب لا يُمكن اكتشافه بسهولة، لكن يمكن إنقاذ الأرواح إن عُرف مبكرًا وتم التعامل معه بجدّية. إذا بدا شخص ما "بخير جدًا" لكنه لا يبدو مرتاحًا... اسأله. استمع له. ففي كثير من الأحيان، الابتسامة لا تعني السلام. |