المؤتمرنت/ بقلم حسن العديني -
ليس للإمام من يناصره
خلال الأيام الماضية وجدت نفسي مشغولاً بمحاولة إيجاد تفسير لعدم مبالاة المواطنين بواقعة تمرد حسين الحوثي، رغم أنها تطورت إلى مواجهة بالسلاح، ولفت انتباهي أن اللامبالاة موقف اشترك فيه مع المواطن العادي كثيرون من المهتمين بالشأن العام، وأن التفاعل مع الأخبار والتعليقات التي حفلت بها وسائل الإعلام انحصر في شريحة محدودة من النخبة السياسية إضافة إلى القليل من رجال الدين الذين يطلق اليمنيون عليهم- مجازا- صفة العلماء وقد خلصت إلى استنتاجات اعتقدت أنها تفسر عزوف المواطن العادي عن التفاعل مع سيل الأخبار والتعليقات والتأويلات لما يجري في صعدة وهي: أولاً: إن التمرد صغير ومحدود لا يمثل من وجهة نظر الناس مصدر قلق وأن المتمردين جماعة ضئيلة العدد، ضعيفة التأثير، أمر محسوم وفشلها محتوم. وأساس الاطمئنان تجارب سابقة قريبة واجهت الدولة انشقاقات سياسية كبيرة غلبتها بسهولة بقوة الشرعية وجبروت القوة العسكرية. ثانياً: إن المتمردين لا يحملون فكرة سياسية جذابة قابلة لأن تشكل مركز استقطاب تضم إليهم صفوفا كثيرة من المتعاطفين والأنصار فالناس عادة يغرمون بالأفكار الجديدة خصوصاً إذا كانت تحمل لهم وعودا معينة اقتصادية أو اجتماعية أو أخلاقية، ولايهم أن تكون الوعود ممكنة التحقيق أو خيالية مستحيلة لأن الاختبار مؤجل، وقد تكفي صياغات نظرية يشع منها بريق حقيقي أو زائف. المتمردون حملوا معهم فكرة قديمة، باهتة بلا بريق، فالإمامة لم تصلح في الماضي، ولا تنفع للمستقبل وقد خلعها الشعب بعد أن أنهكت جسده وتأذى منها جلده، وكما كانت مقرفة بالأمس فهي منفردة اليوم وغداً. نقلاً عن صحيفة الاسبوع ثالثاً: وإلى الوعد بحكم سياسي يبعث على القرف فقد افتقد المتمردون إلى غطاء أيديولوجي له أساس مقبول؛ فقد استندوا إلى مذهبية مقيتة أرهقت المسلمين بحملات من الصراع والاقتتال ولونت تاريخهم بالدم، فوق أنها تسعى لاصطفاء سلالة في عصر المساواة التامة بين البشر. ولا شك أن الثورة الاتصالية الهائلة أحدثت تطوراً مذهلاً في تفكير الطبقات غير المتعلمة بحيث قدمت لهم التجربة النازية والعنصرية الصهيونية أدلة إضافية إلى خبرة غنية في اليمن وذات مذاق شديد المرارة. وكذلك فإن اتباع المذهب الزيدي تعاملوا مع دعوة المتمردين بسخرية، إذ هم يعرفون أن دعوة المتمردين تتساوى مع دعوات السلفيين المتعصبين، وأن مقتضيات صناعة المستقبل لا تتحمل صراعات مذهبية تدمر ولا تبني. وفي ذات الوقت واجهت دعوة المتمردين سخرية الهاشميين أنفسهم إذ هم اعتبروها تحقيراً لوعيهم، وباستثناء القلة المراهقة فإن ذوي النفوس المريضة أثروا الصمت ووضعوا الأغطية على أسنة الأقلام. رابعاً: إن قائد التمرد شخص مغمور، ليس له سيرة سياسية تزكيه أو ثقافة سياسية تقدمه، والأغلب أنه مريض ومعقد، وقد بحثت عما يدلني عليه وعثرت على مطبوعات لدروس ألقاها في الجامع، وفي حدود ما وقع بيدي، لاحظت أن استشهادا ته من القرآن لا تتعزز بروايات من الحديث. في هذا الأمر لم أجد سوى ما يرضيني بعد أن سمعت من واعظين مشهورين استدلالات بأحاديث منسوبة للنبي (ص) ومخالفة لنصوص قرآنية صريحة، ولأن تدوين السنة تم في عهود متأخرة فقد وجدت للحوثي ما يعذره مثلما أعتقد أن لدي ما يعذر في هذا الأمر، لكن بدا لي أن أسبابه مختلفة ما دام يعزز استدلالاته بأقوال منسوبة للإمام علي رضي الله عنه، وإذ أوقن بأن القرآن وحده لم يلحقه التحريف فإن أقوال وأفعال الصحابة تأتي من حيث الثقة بصحتها كما بحكمها بعد أحاديث الرسول (ص). عموماً فهذه ملاحظة لا أرتب عليها أي حكم. أما الملاحظة الثانية فإن الحوثي ذكرني بعبد المجيد الزنداني في توجيه مواعظه نحو إقناع سامعيه بوجود الله وعظمة قدرته وشأنه. ولو لم أكن على علم أنه ألقى دروسه في صعدة لظننت أنه يخاطب وثنيين في أدغال أفريقيا. والملاحظة الثالثة أن استغراقه في الحديث عن الله قاده إلى إجراء مقارنات بين الخالق العظيم ومخلوقاته من البشر، فقد جعل الله كيالا مثل تاجر أو مرابيا مثل يهودي "استغفرك اللهم". لذلك كله لم تلق أخبار تمرد الحوثي اهتماما سوى في دوائر الشريحة العليا من النخبة السياسية. وفي هذه الأطر دارت نقاشات كثيرة تعرضت بالنقد للطريقة التي أدارت بها الدولة الحملة ضد المتمردين. وأظهرت بعض الصحف الأهلية وصحف أحزاب في المعارضة انحيازا لقائد التمرد وتحيزا ضد الدولة، وإن كان خجلها بائناً في تبني آرائه. إذ تخفت وراء ظلال سياسية أو مذهبية دينية. لكن هذا التحيز لم يحدث انقساماً اجتماعياً أو سياسياً، وبقي مسجوناً في دائرة أشخاص أو أحزاب عائلية، وفي الأحزاب غير العائلية عبر عن رغبة مستحكمة في إظهار الاختلاف عن السلطة أو الخلاف معها بصرف النظر عن خطورة الموضوع. وربما وجد الناقدون مبرراً للخلاف في مباغتة الأحداث وفي هذا لا سبيل إلى القول أن السلطات كانت على حق عندما تجاهلت أهمية التمهيد لحملتها العسكرية بحملة إعلامية تعطيها غطاء سياسيا وأخلاقياً. والظن الغالب أن أصحاب القرار كانوا يعتقدون أنهم لم يستنفدوا المحاولات لإيجاد مخرج سلمي للمشكلة في الوقت الذي نقلها الحوثي إلى مواجهة بالسلاح دون ترتيب منهم. ومع ذلك فإن وجاهة النقد لا تسقط، إذ كان من اللازم أن تطرح الأمور على المكشوف من وقت مبكر. لكن النقد يفقد وجاهته عندما يتناول إفصاح الإعلام عن دعوة الحوثي للإمامة. لا شك أن التمرد وحده كافيا لتبرير القمع العسكري حفاظاً على وحدة الدولة وهيبة الدستور. لكن الاحتفاظ بمساحة غامضة تحدث بلبلة لا داعي لها: فضلاً عن أن ذلك يتعارض مع مبدأ الشفافية. وليس في كشف دافع التمرد ما يسيء إلى النظام الجمهوري. ذلك أن كل جديد يسحب معه بقايا من القديم، وإذا كان الجديد نظاماَ سياسياً مغايراً تماما فإن النظام القديم لا يفقد أنصاره على مدى طويل من الزمن. وقد ظل للملكية أنصارها في فرنسا رغم الإشعاع الفكري العظيم الذي ألقت به الثورة الفرنسية على القارة الأوروبية، وبعد هزيمة نابليون عادت الملكية بالفعل لكن الفرنسيين لم يلبثوا أن رموها على رصيف التاريخ، فقد كان مذاق الحرية لا يقاوم. وربما يكون العراق شاهداً قوي الإقناع، فقد استغل بعض أحفاد الملك فيصل الأول اضطراب الأوضاع بعد سقوط صدام حسين، وجاء الشريف علي يبحث عن دور لكن الشعب العراقي أهمل رغبة الأمير وتمسك بالنظام الجمهوري. وفي المجر وافق الشعب على القبول بشخص الملك وليس بنظامه ورضى بتجريبه رئيساً للحكومة، حتى الكفر بقى له وجود رغم الرسالات السماوية المتتابعة. وهكذا فإن وجود راغبين في عودة الإمامة في اليمن أمر لا يثير الاستغراب أو الدهشة. إن قوانين الحياة لتحتم ذلك تماماً مثلما تحتم قوانين الطبيعة اختلاط مجروفات النهر في مجراه الدافق والمهم أن النهر لا يصب في المنبع، والتاريخ لا يعود القهقري ولا يتوقف.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 30-نوفمبر-2024 الساعة: 10:48 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/12206.htm