![]() فكر ومال حرام يبدأ المنتحر استعداداته لقتل نفسه بتجهيز وصية شفوية أو مكتوبة لمن يرغبون أن يعرفوا أسباب قيامه بما سيقوم به، ثم يتجه إلى قتل نفسه بمفرده أو مع آخرين، مستهدفا نفسه وحده أو مستهدفا آخرين معه. وفي كل الأديان اعتبر هذا الفعل حرام. فقتل النفس محرم على صاحبها وعلى غيره. لكن الحالة في المنطقة التي نعيش فيها قد وجدت لها من يفتي بجوازها وصحتها ومن يملأ أفكار الشباب بسلامة نهجها، فينتهون إلى الاعتقاد بأحقية مسلكهم وصحة فكرهم ورضا الله عن فعلتهم. وفي ساحات الانترنت مواقع تعتبرهم شهداء عند الله، وتتحدث عن أمجادهم وتحفز أجيالا جديدة على السير على خطاهم. وداخل زاويا من بيوت مظلمة، يتم الحشد والتنظير وحشو الرؤوس بكلام مسموم وفكر سوداوي، يملأ القلوب حقدا وكراهية لكل أوجه الحياة ويحبب في الموت. فكيف يرتضي لنفسه صاحب فكر وعقل في أن يفتي بصحة عمل مثل هذا؟ وكيف يرتضي لنفسه صاحب فكر وعقل في أن يسكت عن هداية من ينوي السير في هذه الطريق؟ بل ويسكت عن التحذير والتنبيه إلى حرمة هذا الفعل وضرره على المسلمين؟ يستوي عندي المفتي بجوازه من رجال الدين مع الساكت عن رفضه منهم فهو فكر مخاتل خادع يبرر ما لايجوز ويحول أعراض المسلمين وبلدانهم نهبا للغزاة أوموقعا للفقر والجهل والمرض ليس له مساحة أو إمكانية للبناء أو التقوية أو التعليم أو مواجهة تحديات المسيطرين على العالم بقوة فكرهم وصلابة بنية مجتمعهم. أمر كمثل تفجير الناس في الشوارع في الشهر الفضيل، يستدعي أن يتداعى العلماء والمشائخ والمفكرون ليتدارسوا كيف يأمرون مثل هؤلاء بسلوك المعروف وكيف ينهون مثل هؤلاء عن هذا المنكر. المال الحرام: يعتبر بعض رجال المال أو المازجين بين الدين وبضاعة الدنيا أن تمويل الانتحاريين زكاة عن الأموال التي يكتنزونها. فيدفعون قيمة الترتيب، الذي يصاحبه سكن مؤقت في مواقع تستقصي، المكان المستهدف بالتفجير، ويدفعون قيمة سيارات سيتم تفجيرها، وأسلحة أو مواد ناسفة يتم إعدادها وربطها على خصور المنتحرين. بل قد يذهب من يظن نفسه، إما نتيجة فتوى ضاله وإما نتيجة اجتهاد خاطئ، إلى دفع الأموال لشراء الأسلحة وقذائف الآربيجي، ظنا أن هذا الدفع بالمال زكاة تطهر الأموال. ولا يجدون بعد ذلك صوتا واحدا من علماء الدين الذين نرى توقيعاتهم ممهورة فوق قوائم التكفير والتحريم المختلفة لكل واردة وشاردة، يقول بحرمة دفع المال لأعمال الانتحار وقتل الأبرياء في البلاد المسلمة. وحتى الآن لم نسمع عن تحقيق واحد تتبع الأموال ومصادرها، وكيف جاءت إلى هؤلاء فقد تم القبض مثلا في الحادثة الأخيرة على خمس وعشرين متهما لم نسمع أن واحدا منهم تم القبض عليه لأنه دفع المال، كما لم نسمع أن واحدا تم القبض عليه لأنه أفتى بصحة مثل هذا السلوك. الفكر والمال الحرام خلف هذا الدمار الذي يهدد استقرار هذه البلاد مرة بعد أخرى. ولا يمكن عزل واحد منهما عن الآخر. الدمار الروحي والنفسي: خطورة ما يحدث أنه يقع في ظل مفاهيم خاطئة لقوى كان يجب أن ترص الصفوف معا ضدها. ورص الصفوف يعني توعية الشباب وفتح أفاق أذهانهم لخطأ ما يقوم بهم القلة منهم. والبحث عن أصحاب الضمير من العلماء والمفتين الذين يؤكدون تحريم الإسلام لهذه الأفعال المنكرة. والمفاهيم الخاطئة الأكثر خطورة تأتي من بعض طروح الراغبين في هدم النظام السياسي القائم، والتي تبنى على الظن أن مثل هذه الأحداث تضعف النظام وتهدد علاقاته الخارجية وتؤدي به إلى الفشل في إدارة الدولة والاستمرار في الحكم. لذا يسكتون ولا يلعبون دورا قويا في مناهضة هذا الفعل لخطورته على الوطن ككل وليس على النظام السياسي وحده. لكن سياسة هدم المعبد على رأس الجميع هي التي تبرر السكوت. والساكت عن الحق شيطان أخرس. إن مثل هذه الأحداث لم تضعف أي نظام سياسي، وقصة الصومال والصوملة أمر مختلف، والراغبون في مثل ذلك النظام يمكنهم بسهولة الذهاب هناك والمشاركة في أعمال القرصنة، أما اليمن فتحتاج أكثر إلى من يحرص على الوطن ككل، مفرقا ما بين الخلاف السياسي وبين الصالح العام. اللهم في هذا الشهر الفضيل ترحم على ضحايا الفكر والمال الحرام، وانتقم لكل نفس بريئة دون ذنب قتلت، واجعل بقية أموال ممولي هذا الدمار وبالا على أصحابه، وأجعل ألسنة السامحين به نارا في الدنيا وجحيما في الآخرة. وارزقنا في خواتم شهرك المبارك السكينة والآمان، وتقبل صومنا وقيامنا وتوبتنا بمغفرتك ورحمتك. [email protected] *عن الثورة |