بقلم إسماعيل الوريث - وراء كل عظيم امرأة
كان عميد الأدب العربي الدكتور/ طه حسين قبل سفره إلى فرنسا يتخذ من أبي العلاء المعري قدوة له ويقلده في بعض الأمور التي منها العزوف عن الزواج إذ أن أبا العلاء يعتبر إنجاب الوالد للولد جناية ما بعدها جناية فهو الذي يقول:
هذا جناه أبي علىَّ وما جنيت على أحد
وطه حسين يقول عن علاقته بأبي العلاء " كان مذهبي هو مذهب أبي العلاء في العزوف من الزواج لاني مثله في العاهة, ولاني أحببته وكتبت عنه رسالتي للدكتوراه التي تقدمت بها للجامعة الأهلية".
ولكن كيف ترك طه حسين مذهب إبي العلاء في العزوف عن الزواج يقول": أن زوجتي كانت تقرأ لي في الجامعة بأجر, فأعجبني صوتها وطريقة حديثها فأحببتها, وغلب حبها على مذهب أبي العلاء, فطلبت منها الزواج فاستشارت بعض أهلها فأشاروا عليها بعدم الزواج مني لأني أجنبي , ولاني مكفوف, ولكتبها لم تأخذ بمشورتهم".
ويعترف طه حسين أن زوجته وراء عظمته إذ يقول: " لقد قرأت لي زوجتي الأدب الكلاسيكي الفرنسي وعاونتني في دراسة اللغة اللاتينية وفتحت أمامي آفاق فكرية وأثرت في ثقافتي وأدبي تأثيرا واضحا.. ويقول د. محمد الدسوقي أن طه حسين قبل أن يوفد للدراسة في الخارج لم يكن ليتاح له أن يلتقى امرأة أو يتحدث أيها , اللهم الا والدته أو شقيقته فلما سافر إلى فرنسا كانت زوجته أول امرأة لاتمت إليه بصلة الرحم يجلس معها ويتحدث إليها, وتساعده في دراسته وتنقلاته فلا غرو أن أحبها ذلك الحب الذي جعلها ينكر مذهب أبي العلاء وحمله على أن يطلب الزواج منها وكانت هذه الزوجة من الذكاء وبعد النظر فلم تأخذ برأي من نصحها بعدم الزواج من العميد فقد آنست فيه ارهاصات العبقرية وآيات النبوغ, وأدركت أن مثله سيكون له في وطنه شأن مرموق فآثرت أن ترتبط به وأن تكون زوجة له وهي في هذا قد خضعت- فيما أرى – لمنطق العقل قبل منطق العاطفة.
أن هذه المرأة التي قضت ثلاثة أرباع القرن في مصر والتي كانت تهتم بزوجها وبحياته وتتدخل بكل صغيرة وكبيرة لم تكن تتحدث بغير الفرنسية وكانت زوجة مستبدة يعلو صوتها حتى على صوته وقد آثر سكرتيره الاستغناء عن العمل لديه أو معه بسبب سوء خلقها وغطرستها ويتذكر حافظ إبراهيم الصحفي المصري المعروف أن طه حسين جاء ليفتتح أحد المواسم الثقافية في الثلاثينات- وكان وقتها عميدا لكلية الآداب وحضرت زوجة طه حسين قبله بقليل فاستقبلها جمع الوزراء الذين جاءوا لحضور هذا الافتتاح وصافحوها وأفردوا لها مكانا في الصف الأول, ولفرط ذكائها وحينما لمحت زوجها يدخل القاعة وقفت وصفقت له" فقام الوزراء وأكثر من ألف شخص في القاعة وبدأ التصفيق حتى صعد طه حسين إلى المنصة وألقى محاضرة الافتتاح.
وقد بقيت هذه السيدة الفرنسية وفية للدكتور العميد حتى آخر نفس من حياته تعتني به وترعاه وتحرص على صحته وبلغ آلام بها إلى أن كانت تمنع أصدقاءه من الجلوس معه فترات طويلة أوالخروج معه في رحلات قصيرة وهم من كبار الأدباء والمفكرين.
فهل عظمة طه حسين من صنع السيدة ( سوزان) أم أنها وجدته كذلك فارتبطت به؟ لاشك أنها قد لمست نبوغه وسواء كان ارتباطها به عن حب وعاطفة أو عن تحكيم للعقل الا أن أثرها كان واضحا في أدبه وفكره
|