السينما اليابانية: كنز اليابانيين الحي ونافذتهم الثقافية على العالم يتابع الجمهور اليمني بدءاً من مساء الغد وعلى مدى ثلاثة أيام متواصلة بقاعة المركز الثقافي اليمني عروضاً سينمائية لثلاثة أفلام يابانية تعرض ضمن فعاليات صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004، وذلك بمشاركة السفارة اليابانية في صنعاء. * وتحمل السينما اليابانية نكهة فنية خاصة تجاوزت حدود اليابان كجزيرة غير معزولة عن العالم (جغرافياً)، ناقلة إلى العالم الخارجي التفاصيل الدقيقة لواقع المجتمع الياباني بكل تقاليده، وعلاقاته، وتطوراته، مرددةً لمشاعر وهموم الشعب الياباني من خلال أفلام سينمائية عكست صورة واقعية للصراع بين القديم والجديد، بين الفكر التحرري للأجيال الحديثة والرفض للمقومات السلبية في الشخصية اليابانية. * ويرجع تاريخ السينما اليابانية إلى العام 1900 حينما امتلأت استوديوهات اليابان بعدد من المخرجين الطموحين، والذين لم يكونوا يحملون من المؤهلات العلمية ما يذكر، ولم ينالوا غير التعليم الأساسي، لكن رغبتهم العارمة وطموحهم كان أقوى العوامل التي مكنتهم من صنع سينما يابانية عالمية في فترة وجيزة. بل إن من هؤلاء المخرجين من حصد جوائز كبرى في المهرجانات العالمية، وهو المخرج "هيروشي ايناجاكي" الذي حصل على الجائزة الكبرى في مهرجان فينيسا الدولي عام 1958م عن فيلمه (حياة ماتسو المتمرد). وكذلك المخرج الرائد "كينجي ميزوجوتشي" الذي قدم أول أعماله في 1923م. غير أن أول فيلم ياباني ذي ثقل وأهمية انتج عام 1926 وهو فيلم (الصفحة المجنونة) للمخرج "تيفوسوكي كيتوساجا". * وفي الثلاثينيات اتسعت مجالات العمل في السينما اليابانية، واندفع إليها خريجي الجامعات، حتى أصبحت الاستديوهات مراكزاً عامة لنشر الأفكار التقدمية المعبرة عن تطلعات ومشاعر العامة من الشعب الياباني، وهو ما أثار حفيظة الحكومة اليابانية فقامت حينها بقمع هذه الأفلام، ومحاصرة المخرجين السينمائيين اليابانيين في نطاق ضيف لم يتمكنوا من الإفلات منه، إلاّ حين نشوب الحرب مع الصين، حيث فاجأوا الحكومة والشعب بخلق تيار جديد من الأفلام التي تجمد الروح العسكرية، وتنادي في نفس الوقت بالأفلام التقدمية. تأثرت صناعة السينما اليابانية بالأفلام الأجنبية، فأخذت الشكل التعبيري من الألمان، والواقعية من الدنمارك، والتقدمية من السوفيت، والأسلوب التسجيلي من الطليان، لتمتد في الأربعينيات للأمريكية الكلاسيكية حين مقت بعض الشباب المناخ القمعي في مجتمعهم، وتاقوا إلى روح الحرية الواضحة في الأفلام الأمريكية. * وفي الخمسينيات ازدهر الإنتاج السينمائي في اليابان بظهور أفضل الأفلام اليابانية، تأكيداً لحرية الفرد وإعلاء قيمته الإنسانية أمثال (قصة طوكيو-مأساة يابانية- السيدبو)، ثم جاءت في نفس العقد الكاميرا النشيطة والإيقاع السريع بظهور فيلم "قبلات" عام 1957م حيث لاحقت الكاميرا في هذا الفيلم العاشقين الصغيرين، وهما على دراجتيهما أثناء تجوالهما في شوارع طوكيو، وهو الشيء الجديد في أسلوب السينما اليابانية آنذاك. * وخلال فترة الستينات أذهل المخرج "سوموهاني" الجميع بفيلم (أطفال الفصل الدراسي) مظهراً الأسلوب التسجيلي في صناعة السينما اليابانية والذي طبقوه بعده مخرجون آخرون في أفلامهم. * وفي العام 1958م ظهرت موجة جديدة من الأفلام اليابانية على أيدي مجموعة من المثقفين التقدميين عقب الحرب في اليابان اتسمت بالسخط على الأوضاع الاجتماعية والممارسات السياسية السائدة، منادية بأفكار تحررية جديدة، ومن هذه الأفلام فيلم (مدينة الحب والجمال) الذي يعتبر أول أنواع الرفض؛ حيث عبر مخرج "أوشْيما" عن رفضه للتقليدية التي تؤكد على الترابط الأسري، وميله الثوري المتسم بالعنف. أزدادت شعبية الأفلام الكوميدية في اليابان في فترة السبعينات بظهور حوالي 20 مخرجاً جديداً أطلق عليهم النقاد لقب الموجة الحديثة واستخدموا طرق تعبيرية جديدة عن أفكار وموضوعات مختلفة، وبأسلوب فني خاص؛ حيث تناول بعضهم موضوع الأصالة والمعاصرة بجدية وصلت حد التشاؤم هم، ومهم من تناولها بصورة هزلية ساخرة مثل (أينامي جوزو) وتميزت هذه المجموعة بفكرة تضمين وتوظيف التجربة الشخصية لكل منهم حتى أضحت بعد ذلك تجربة جيل كامل عانى نفس المعاناة. * في الفترة الأخيرة تغير شكل الفيلم الياباني متأثراً بموجة الحداثة الجديدة، ومن خلال الاستعانة بممثلين أجانب وأماكن تصويرية خارج اليابان، وهو ما مكن مخرجو هذه المرحلة صنع جمهور عالمي للسينما اليابانية خارج حدودها. ويعتبر المخرج "اكيرا كوروساوا" أحد كبار المخرجين في اليابان، ويرجع إليه الفضل في وضع السينما اليابانية على خريطة السينما العالمية؛ حيث أخرج 30 فيلماً روائياً طويلاً بدءاً من فيلم (جواو وساجا) عام 1943م إلى فيلم (لم يحن الوقت بعد) 1993م. لُقّب "بشكسبير" فن السينما، ويعتبره اليابانيون (كنز اليابان الحي) حيث يرصعون وجههم الثقافي بأفلامه الرائعة خارج حدود جزرهم. |